تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-
...............................................................................
كنتُ مرة في المسجد الحرام اسم> خارجين من أحد الأبواب، فحصل زحام عند الباب، واشتد الزحام، رفع أحدهم صوته، لَمَّا أنه زُحِمَ من أمامه ومن جانبيه، يقول: يا رسول الله! في هذا المسجد الحرام اسم> يقع هذا الشرك، ينادي هذا الاسم: يا رسول الله! لا شك أن هذا قد دعا غير الله.
وفي وقت -أيضا- قريب سمع أحد الشباب أحد هؤلاء الوافدين في المسجد الحرام اسم> وإذا هو يقول: مدد يا رسول الله! يكررها: مدد يا رسول الله. الشاب الذي هو من طلبة العلم أنكر عليه؛ ولكنه احتقره؛ لأنه لا يزال صغيرا، وقال له: إن هذا شرك!! إنكَ دعوتَ غير الله، إذا قلت: يا رسول الله، فإن كلمة يا حرف نداء، فأنت دعوته. ولما لم يقتنع جاء به إِلَيَّ، فأقنعته: ألستَ تقرأ قول الله تعالى: رسم> وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا قرآن> رسم> اقتنع بعد أن أقمنا عليه الأدلة، ونحوه.
ذكروا أن أحد المشركين في مكة اسم> كان إذا انتهى من درسه أخذ ينادي الكعبة: اسم> يا كعبة الله.. يا بيت الله.. ينادي البيت! البيت مخلوق. ذكر له بعضهم: أنك شبهتَ البيت بالأصنام، نحن إنما نطوف به ليس تعظيما للبيت؛ وإنما عبادة لرب البيت؛ ولذلك قال الله تعالى: رسم> فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ قرآن> رسم> لم يقل: اعبدوا البيت. رسم> فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ قرآن> رسم> إنما الطواف بالبيت: تعظيم لله -تعالى- كما في حديث عائشة اسم> قالت: رسم> إنما جُعِلَ الطواف بالبيت، وبالصفا، والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى متن_ح> رسم> .
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يملك لنفسه شيئا؛ فَضْلًا عن أن يملك لغيره، في حديث دعائه لعشيرته، لما نزل قول الله تعالى: رسم> وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قرآن> رسم> دعاهم فاجتمعوا على الصفا اسم> ، أو حوله، وأخذ يدعوهم بآبائهم، يقول: رسم> يا بني لؤي بن غالب- أحد أجداده الأوائل- أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني كعب بن لُؤَي -هو الجد الأقرب منه- أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مرة بن كعب -جد أقرب من كعب- أنقذوا أنفسكم من النار، لا أُغْنِي عنكم من الله شيئا، يا بني كلاب بن مرة، أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني قصي بن كلاب ، يا بني عبد مناف بن قصي، يا بني هاشم بن عبد مناف، يا بني عبد المطلب بن هاشم -يناديهم الأبعد فمن دونه، إلى أن وصل إلى أعمامه- يا عباس اسم> عم رسول الله، يا صفية اسم> عمة رسول الله، أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا فاطمة اسم> سليني من مالي ما شئتِ، لا أغنى عنك من الله شيئا متن_ح> رسم> .
فإذا كان هكذا يقول لأقاربه؛ حتى ابنته، وعمته، وعَمِّهِ، فكيف بغيرهم؟! كيف بمن هم أبعد؟! لا شك أنه بطريق الْأَوْلَى، أنه لا يُغْنِي عنهم من الله شيئا؛ وإنما تنفعهم أعمالهم التي يعملونها في الدنيا، فإذا عملوها لله -تعالى- كانت أعمالا صالحة، وأنجتهم أعمالهم، وأما إذا لم يعملوا فلا ينفعهم دعاؤهم لأية مخلوق؛ ولو كانوا أقارب له -صلى الله عليه وسلم-. في الحديث المشهور في صحيح مسلم يقول: رسم> من بَطَّأَ به عمله لم يُسْرِعْ به نَسَبُهُ متن_ح> رسم> يعني: لا ينفعه نسبه؛ إنما ينفعه عمله. فإذا أبطأ به عمله، وأَخَّرَهُ عن أن يسبق ويفوز ويسعد فلا ينفعه النسب، ولا تنفعه قرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
كثير من الذين يقولون: إنهم أشراف، وأنهم من ذُرِّيَّةِ الحسين اسم> أو الحسن اسم> يتواكلون عن العمل، ويقولون: لا يتركنا جَدُّنا ندخل العذاب! أو يُشْرِكُون به، ويقولون: اشفع لنا يا جَدَّنَا، فقطع الله ذلك وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لا ينتفعون بذلك: رسم> من بَطَّأَ به عمله لم يُسْرِعْ به نسبه متن_ح> رسم> .
وقد بَيَّنَ الله تعالى أنه -صلى الله عليه وسلم- مع ما أعطاه الله؛ فإنه لا يملك نفعا، ولا ضرا، قال الله تعالى: رسم> قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قرآن> رسم> يعني: ولا نفعا. رسم> قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا قرآن> رسم> .
أي: ملجأ ومفرا. هذا حالته -صلى الله عليه وسلم- فكيف مع ذلك يُصْرَفُ له شيء من حق الله -تعالى- الذي هو التأله، ودعاؤه مع الله؟!
وقد أخبر الله بأنه لا يملك لهم ضرا، ولا رشدا، وأنه لا يجيره أحد من الله، ولا يجد من دون الله ملتحدا، وهكذا قال الله: رسم> قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ قرآن> رسم> هو لا يعلم الغيب؛ ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، ولم يمسه سوء؛ ومع ذلك، الله -تعالى- فضله بالنبوة وبالرسالة، ولم يَصِلْ إلى درجة يعلم فيها الغيب، أو يخرج فيها عن طَوْرِ البشرية.
أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأنه بشر لما وقع مرة أنه سها في الصلاة: صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين -ظهرا، أو عصرا- ثم سلم، ولما سلم وأخبروه أتم الصلاة، ثم قال: رسم> إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني متن_ح> رسم> بشر مثلكم، وكذلك قال الله تعالى: رسم> قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ قرآن> رسم> إنما ميزته أن الله أنزل عليه الوحي؛ وإلا فإنه بشر، ولما تحداه المشركون أن يأتيهم بالآيات، قال الله له: رسم> قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا قرآن> رسم> بشرا مرسلا.
وكذلك لم يخرج عن كونه عبدا من عبيد الله، عبدا لله، وكذلك جميع الأنبياء. والعبد: هو الذي يتعبد، ويتذلل، ويتواضع لمعبوده، يخضع له، ويخشع، ويتواضع بين يديه؛ فهو بذلك عبد عابد لربه -سبحانه-.
فكيف مع ذلك.. يُصْرَفُ له شيء من حق الله تعالى؟!
كان -صلى الله عليه وسلم- يحب التواضع؛ حتى لا يُرفع عن قَدْرِهِ، ثبت في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> لا تُطْرُوني كما أطرت النصارى ابنَ مريم إنما أنا عبٌد، فقولوا: عبد الله ورسوله متن_ح> رسم> أي: ما خرجت عن صفة العبودية، كما أن عيسى اسم> عبدٌ ما خرج عن صفة العبودية، فلا تُطْرُوني -أي- لا ترفعوني. كذلك أيضا ذكر عبد الله بن الشِّخِّير اسم> رسم> أنه جاء في وفد بني عامر، فجاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أنت سيدنا، وابن سيدنا. فقال:السَّيِّدُ الله! قالوا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا. فقال: أيها الناس.. قولوا بقولكم، أو بعض قولكم.. أنا محمد اسم> عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله رسم> منزلته: هي العبودية، والرسالة. خشي أنهم إذا وصفوه بهذه الصفات: أفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، أو أنه سيدنا. خشي أنهم يتمادون في التعظيم إلى أن يصرفوا له شيئا من حق الله -تعالى-؛ فإن السيادة حقا لله، السيد الله؛ مع أنه -صلى الله عليه وسلم- سيد، يعني: له السؤدد. بمعنى: له الشرف، وله الفضل، كما في قوله: رسم> أنا سيد ولد آدم ولا فخر متن_ح> رسم> ؛ ولكن من باب التواضع، ومن باب البعد عن الأسباب التي تُوقِعُ بعض الجهلة في الْغُلُوِّ، وفي التعظيم.
مسألة>