الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
112588 مشاهدة print word pdf
line-top
دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب وموقف أهل زمانه منها

...............................................................................


ففي عهد الشيخ محمد -رحمه الله- لما وفقه الله، وهداه، وتنصر بالتوحيد الحقيقي، وعرف ما يدل عليه، نبذه كثيرون من علماء زمانه، ومن عوام الزمان. فأما العامة.. فإنه خالف مألوفاتهم، هم وآباؤهم وأجدادهم نشأوا على أنهم يتقربون إلى الأموات، ويأتون إلى الأموات ويطلبون من الميت، ويدعونه، وينذرون له، ويذبحون له، ويتحرون الصلاة عنده، وعلى ذلك وجدوا أهل بلادهم من غير نكير، فلما أنكر عليهم سفهوه، وقالوا: أنت أعلم من الناس؟! آباؤنا وأجدادنا وأهل بلادنا كلهم على هذا، ما أنكروه، أنت الذي أنكرته الآن، أنت جئت بشيء مستغرب، هذا الذي ألفينا عليه آباءنا وأسلافنا. أليس هذه حجة الأولين؟ نعم. إبراهيم لما قال لقومه: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ماذا قالوا؟ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ لما قال لهم: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قالوا: وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ كذلك مشركو ذلك الزمان، زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ فكذلك أولئك الذين جاءهم المؤلف، لما أنهم -مع أنهم من عوام الناس- رأوا آباءهم وأسلافهم وأهل بلادهم يعكفون عند تلك القبور، ويطوفون بها، ويذبحون، وينذرون، ويدعونها، ويتبركون بترابها، ويتبركون بالإقامة حولها، ويهتفون بأسماء الأموات، ويدعونهم مع الله تعالى، ويجعلونهم في زعمهم وسطاء شفعاء، قالوا: ما يمكن أن يكون آباؤنا على ضلال، وأهل مجتمعنا؛ فلذلك شنعوا عليه، وقالوا: جئت بشيء مستنكر. فأصبح غريبا.
أما علماؤهم، وقادتهم، وسادتهم، يعني: العلماء، والأمراء، والقادة، ونحوهم، فكثير منهم عرفوا الحق، وتحققوا أن ما جاء به هو الدين الصحيح، وأنه الإخلاص لله؛ ومع ذلك عاندوا. لماذا؟ منهم من يقول: كيف أكون تابعا وأنا الآن متبوعا؟! أنا الآن لي أتباع، ولي ناس يحترمونني من هؤلاء العامة، وإذا خالفت مطلوبهم ومرادهم نبذوني، واحتقروني، وبطلت رئاستي، وكلمتي، ومكانتي عندهم، فلا يبقى لي قدر عندهم؛ لأنني أفتيت بخلاف ما يعرفون وما يألفون، فيكونون بذلك ضدي، فلا أبقى متبوعا مطاعا سيدا.
هؤلاء علماء حملهم على العناد، وعدم القبول: حب الرئاسة. وآخرون كان لهم مصالح دنيوية؛ وهي أنهم في وظائف تحت إدارة أولئك الرؤساء والقواد، وقد جعلوا هذا قاضيا لهم، وهذا نائبا، وهذا خطيبا، وهذا معلما، وأجروا لهم إعاشات، وجعلوا لهم غلالا، ومصارف يصرفون عليهم، فلهم مصالح دنيوية، فلو انقادوا للحق، وأنكروا ما كان عليه أولئك الأمراء، وأولئك السادة والقواد، وقالوا: إنكم مشركون، إنكم ضالون، إن هذا هو الشرك، فيجب أن تتركوه؛ فإنهم يمقتون هذا العالم، وهذا القاضي، ويطردونه، ويفصلونه من وظيفته، ويحرمونه من جرايته، فلا يبقى له ما يأكله، وما يحصل عليه؛ فلذلك تشددوا في التمسك بما هم عليه من هذا الشرك، أو إباحة الشرك، وقالوا: إن ابن عبد الوهاب هو الخاطئ، وهو الضال. فنقول في هؤلاء: إنهم مرتزقة، ما قصدوا إلا طلب المصالح الدنيوية؛ مصالح دنيوية، اشتروا الدنيا وباعوا الآخرة؛ ليدخلون في قول الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ينطبق عليهم قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ كثر جنس هؤلاء في زمن المؤلف، وصاروا يردون عليه؛ سواء في داخل الجزيرة أو في خارجها، ويجمعون ما يقدرون عليه مما يبررون به أفعالهم، ويردون به على طريقته ودعوته.
لا شك أن هؤلاء أو كثيرا منهم عرفوا الحق، وعرفوا الصواب؛ ولكن عاندوا في رده، وكذّبوا به. وقد تصدى لهم أئمة الدعوة فناقشوهم، وبينوا أخطاءهم، ولم يبق شيء إلا أبطلوه. وكذلك أيضا ساعدهم غيرهم من أهل البلاد النائية.
فذُكر أن عالما في الهند أو في تلك البلاد ساكن لنجة لما بلغته دعوة ابن عبد الوهاب قالوا له: إنه يقول: كذا.. وإنه يقول: كذا.. توقف في تكفيره، وكتب إليه: أن أرسل إلي بعض رسائلك، وبعض ما تدعو إليه. فأرسل إليه بعض رسائله، ومنها: “كشف الشبهات” فعند ذلك.. اقتنع بدعوته، ونصرها؛ مع كونه بعيدا عنه، وردَّ على قصيدة للقبوريين، ردَّ عليها بقصيدة مثلها، أول قصيدته قوله:
جاءت قصيدتهـم تروح وتغتـدي
في سب ديـن الهاشـمي محمد
ثم يقول:
الشـيخ شاهَدَ بعض أهل جهالـة
يدعـون أصحاب القبور الهُمَّـدِ
تاجـا وشمسـانا وما ضاهاهمـا
من قبة أو تربـة أو مشـهـد
ثم ذكر أنهم عابوه حتى ببلده، فيقول:
قد عيروه بأنه قـد كـان فــي
رابح . دارم لـم يسـعـــد
قلنا لهم: ما ضـر مصر بأنهـا
كانت لفرعون الشقـي الأبعـد
فناقشهم، ورد عليهم ردا واضحا، ثم نظم -أيضا- عقيدة له، عقيدة لما أنهم سموه بالوهابى، امتدح بذلك، فقال في قصيدته:
قل للذي اتخـذ التجهم مذهبـا
ورام به دينا وابتغى بـه مركبـا
ولدين الأبـرار صار مكـذبـا
.............................
إن كان تابع أحمـد متـوهبـا
فأنـا المـقـر بأننـي وهـابـي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي
رب سـوى الـمـتفـرد الوهــاب
لا قبة ترجـى ولا وثــن ولا
قـبر له سـبب مـن الأســباب
كلا ولا شـجر ولا حجـر ولا
عين ولا نصـب مـن الأنـصـاب
أيضا ولست معلـقـا لتميمـة
أو حلقـة أو ودعـة أو نـــاب
لرجـاء نفـع أو لدفـع بلـيـة
اللـه ينفعنـي ويـدفـع مـا بـي
مطبوعة عقيدته في كثير من المؤلفات في الأحاديث السنية وغيرها.
فالحاصل.. أنه رد عليهم أهل البلاد النائية.
كان من جملة الذين حاربوا الدعوة.. عالم كان في مكة يقال له: أحمد زيني دحلان جمع الأكاذيب وطبعها في رسالة له سماها: “الدرر السنية في الرد على الوهابية” حشد فيها الأكاذيب مما لا يحصى، لا أصل لها، ولما كانت مكة تحت ولاية الترك أنشئوا فيها مطبعة في سنة 1250 فكانوا يطبعون كتابه الذي هو: الدرر كل سنة، ويفرقونه على الحجاج الذين يأتون من الهند و السند و الباكستان ويأتون من إفريقيا من الأماكن البعيدة ويفرقون عليهم هذا الكتاب، الكتب في ذلك الوقت قليلة، إذا رجعوا إلى بلادهم ما كان معهم إلا هذا الكتاب والذي كله سب لابن عبد الوهاب فعند ذلك.. انتشر لابن عبد الوهاب سمعة سيئة؛ لأنهم يصدقون بما جاء في هذا الكتاب، شيخ الحرم زيني دحلان يصدقون به؛ فلذلك صاروا يكفرون الوهابية إلى الآن، في الهند وفي الباكستان فيسمون بالبريلوية والديوبندية، وكذلك في كثير في بنجلاديش وحتى في الشيشان وفي داغستان وفي تلك القرى تربوا على قراءة هذه الكتب، وعلى تدريسها التي فيها سب ابن عبد الوهاب وفيها الرد عليه وتكفيره وتضليله.
لا شك أنهم لا يسمعون إلا مثل هذا، فعند ذلك امتلأت قلوبهم بغضا لابن عبد الوهاب ولأتباعه، وصاروا يكفرونهم؛ حتى يدَّعون أنهم أكفر من اليهود.
ذكر لنا بعض الإخوان أن صاحب بقالة في الهند يهودي جاء إليه أحد المسلمين في ذلك الوقت من هؤلاء فقال: بعني حاجة بخمسة ريالات ليست معي –دين-. فامتنع أن يعطيه –دينا- حاول فيه فقال: إن لم تعطني فإني سأنفر الناس عنك. فرجع إلى المجورين لهذا المحل وقال: إن صاحب البقالة تحول وهابيا بدل ما كان يهوديا. فقالوا: إذن.. نقاطعه، ولا نشتري منه، ولا نأتي إليه. فانقطع الناس عنه، ولم يأت أحد إليه، وتعطلت السلع عنده، فاستنكر.. ما السبب؟! رجع إليه صاحبه وقال: أنا الذي نفرت الناس عنك. فقال: ردهم وأعطيك الذي تريد. فرجع إليهم وقال: إنه رجع يهوديا. فعند ذلك.. عادوا إلى التعامل معه. إلى هذا المقدار؟! اعتبروا ابن عبد الوهاب أكفر من اليهود -والعياذ بالله-؛ ومع ذلك فإن المتبصرين منهم اهتدوا.
كان في ذلك الوقت المطابع وجدت في الهند قبل أن توجد في مصر وقبل أن توجد في نجد فأرسل الإمام فيصل بن تركي رسائل لتطبع في الهند ومنها: مجموعة التوحيد، ومنها: فتح المجيد، فطبعت في الهند ولما طبعت ما كان قصدهم لطبعها إلا المصلحة الدنيوية؛ لكنها انتشرت، وتمكنت، وقرأها من يريد الاطلاع، فكان من جملة من قرأها: عالم من الهند يقال له: محمد بشير السحسواني ولما قرأها اقتنع بأن كتاب دحلان كذب، ثم إنه حج مرة، واجتمع مع دحلان دحلان توفي سنة 1304 اجتمع معه، وناظره، وناقشه في أصل التوحيد؛ ولكن احتقره دحلان فقال: إن كنت خيرا مني فرد علي. فقال: سوف أرد عليك ردا أقطعك به. رجع إلى بلاده في الهند ، ورد على دحلان وما أذكر أحدا رد عليه ردا مطبوعا؛ وإن كان هناك ردود لم تطبع، فلما رد عليه أرسل الرد إلى الأئمة –هنا- في عهد الإمام فيصل فطبع رده، ثم انتشر، وطبع عدة مرات، اسمه: “صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان “ فهذا كفاح عن الحق؛ مع أنه ليس من أهل الجزيرة؛ بل ليس من العرب -أعجمي-؛ ولكن لما تبين له الحق، وانكشف له زيف أولئك الضلال.. نطق بالحق.
كذلك كان من جملة الذين عاندوا: عالم أو متمعلم في سوريا بالشام، يقال له: يوسف النبهاني له كتب، وله اشتغال بالحديث؛ ولكن شق عليه أن يعترف بأنَّ فعل القبوريين شرك، فأصر على أنهم على صواب، يخشى من قطع مصلحته، فعاند، وألف كتابا يرد به على الشيخ، ولم يقتصر عليه؛ بل رد على كثير من العلماء -متقدمين ومتأخرين- فرد على ابن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية لما ألف كتابا اسمه: “الصارم المنكى”، ورد على عالم عراقي من أهل السنة الذي هو الآلوسي النعمان الآلوسي ولما اشتهر رده، عند ذلك كتب بعض العلماء إلى أخيه الآلوسي وهو محمود شكري أن يرد عليه، فالتزم بالرد عليه، وتوسع في ذلك، وطبع رده قديما في مجلد في مصر اسمه: “غاية الأماني في الرد على النبهاني ” ثم طبع بعد ذلك في مجلدين.
فكل ذلك دليل على أن هناك من عرف الحق من غير هذه المملكة ونطقوا به، وأما الذين أعمى الله -تعالى- بصائرهم؛ فإنهم من المعاندين والمبتعدين عن الحق -نعوذ بالله- فلا يعتبروا.
وأما ردود أئمة الدعوة فهي كثيرة، فرد الشيخ عبد الله العقيل -رحمه الله- على عالم عراقي يقال له: داود بن سليمان بن درديس رده مختصر اسمه: “تأسيس التقديس”، ورد عليه -أيضا- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن الحسن -رحمه الله- ونبغ -أيضا- عراقي يقال له: جميل أفندي صدقي الزهاوي وألف رسالة رد بها على أهل هذه الدعوة وسماها: “الفجر الصادق”، فرد عليه الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله- برده المشهور: “أولياء الشارق في رد شبهات المازق المارق“؛ ولكن ردود الشيخ سليمان -رحمه الله- فيها شيء من الشدة، وكأنه يقطع الطمع من رجوع أولئك الذين يرد عليهم، ويقول: إنه لا حيلة فيهم، وإننا نرد عليهم؛ حتى لا ينخدع أحد بمؤلفاتهم من الجهلة. هكذا كانت ردوده، وهي كثيرة، ورد -أيضا- على حضرمي يقال له: بابصيل ورد على يمني يقال له: علوي الحداد ونحو ذلك. وهذا كله دليل على أن الإسلام في ذلك الزمان، والتوحيد، أصبح غريبا لا يتمسك به إلا القلة الذين عرفوا الحق وتمسكوا به.

line-bottom