تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب وموقف أهل زمانه منها
...............................................................................
ففي عهد الشيخ محمد اسم> -رحمه الله- لما وفقه الله، وهداه، وتنصر بالتوحيد الحقيقي، وعرف ما يدل عليه، نبذه كثيرون من علماء زمانه، ومن عوام الزمان. فأما العامة.. فإنه خالف مألوفاتهم، هم وآباؤهم وأجدادهم نشأوا على أنهم يتقربون إلى الأموات، ويأتون إلى الأموات ويطلبون من الميت، ويدعونه، وينذرون له، ويذبحون له، ويتحرون الصلاة عنده، وعلى ذلك وجدوا أهل بلادهم من غير نكير، فلما أنكر عليهم سفهوه، وقالوا: أنت أعلم من الناس؟! آباؤنا وأجدادنا وأهل بلادنا كلهم على هذا، ما أنكروه، أنت الذي أنكرته الآن، أنت جئت بشيء مستغرب، هذا الذي ألفينا عليه آباءنا وأسلافنا. أليس هذه حجة الأولين؟ نعم. إبراهيم اسم> لما قال لقومه: رسم> هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قرآن> رسم> ماذا قالوا؟ رسم> قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قرآن> رسم> لما قال لهم: رسم> مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قرآن> رسم> قالوا: رسم> وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قرآن> رسم> كذلك مشركو ذلك الزمان، زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله: رسم> إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ قرآن> رسم> فكذلك أولئك الذين جاءهم المؤلف، لما أنهم -مع أنهم من عوام الناس- رأوا آباءهم وأسلافهم وأهل بلادهم يعكفون عند تلك القبور، ويطوفون بها، ويذبحون، وينذرون، ويدعونها، ويتبركون بترابها، ويتبركون بالإقامة حولها، ويهتفون بأسماء الأموات، ويدعونهم مع الله تعالى، ويجعلونهم في زعمهم وسطاء شفعاء، قالوا: ما يمكن أن يكون آباؤنا على ضلال، وأهل مجتمعنا؛ فلذلك شنعوا عليه، وقالوا: جئت بشيء مستنكر. فأصبح غريبا.
أما علماؤهم، وقادتهم، وسادتهم، يعني: العلماء، والأمراء، والقادة، ونحوهم، فكثير منهم عرفوا الحق، وتحققوا أن ما جاء به هو الدين الصحيح، وأنه الإخلاص لله؛ ومع ذلك عاندوا. لماذا؟ منهم من يقول: كيف أكون تابعا وأنا الآن متبوعا؟! أنا الآن لي أتباع، ولي ناس يحترمونني من هؤلاء العامة، وإذا خالفت مطلوبهم ومرادهم نبذوني، واحتقروني، وبطلت رئاستي، وكلمتي، ومكانتي عندهم، فلا يبقى لي قدر عندهم؛ لأنني أفتيت بخلاف ما يعرفون وما يألفون، فيكونون بذلك ضدي، فلا أبقى متبوعا مطاعا سيدا.
هؤلاء علماء حملهم على العناد، وعدم القبول: حب الرئاسة. وآخرون كان لهم مصالح دنيوية؛ وهي أنهم في وظائف تحت إدارة أولئك الرؤساء والقواد، وقد جعلوا هذا قاضيا لهم، وهذا نائبا، وهذا خطيبا، وهذا معلما، وأجروا لهم إعاشات، وجعلوا لهم غلالا، ومصارف يصرفون عليهم، فلهم مصالح دنيوية، فلو انقادوا للحق، وأنكروا ما كان عليه أولئك الأمراء، وأولئك السادة والقواد، وقالوا: إنكم مشركون، إنكم ضالون، إن هذا هو الشرك، فيجب أن تتركوه؛ فإنهم يمقتون هذا العالم، وهذا القاضي، ويطردونه، ويفصلونه من وظيفته، ويحرمونه من جرايته، فلا يبقى له ما يأكله، وما يحصل عليه؛ فلذلك تشددوا في التمسك بما هم عليه من هذا الشرك، أو إباحة الشرك، وقالوا: إن ابن عبد الوهاب اسم> هو الخاطئ، وهو الضال. فنقول في هؤلاء: إنهم مرتزقة، ما قصدوا إلا طلب المصالح الدنيوية؛ مصالح دنيوية، اشتروا الدنيا وباعوا الآخرة؛ ليدخلون في قول الله تعالى: رسم> أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ قرآن> رسم> رسم> فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ قرآن> رسم> رسم> أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ قرآن> رسم> ينطبق عليهم قول الله تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قرآن> رسم> كثر جنس هؤلاء في زمن المؤلف، وصاروا يردون عليه؛ سواء في داخل الجزيرة اسم> أو في خارجها، ويجمعون ما يقدرون عليه مما يبررون به أفعالهم، ويردون به على طريقته ودعوته.
لا شك أن هؤلاء أو كثيرا منهم عرفوا الحق، وعرفوا الصواب؛ ولكن عاندوا في رده، وكذّبوا به. وقد تصدى لهم أئمة الدعوة فناقشوهم، وبينوا أخطاءهم، ولم يبق شيء إلا أبطلوه. وكذلك أيضا ساعدهم غيرهم من أهل البلاد النائية.
فذُكر أن عالما في الهند اسم> أو في تلك البلاد ساكن لنجة لما بلغته دعوة ابن عبد الوهاب اسم> قالوا له: إنه يقول: كذا.. وإنه يقول: كذا.. توقف في تكفيره، وكتب إليه: أن أرسل إلي بعض رسائلك، وبعض ما تدعو إليه. فأرسل إليه بعض رسائله، ومنها: “كشف الشبهات” فعند ذلك.. اقتنع بدعوته، ونصرها؛ مع كونه بعيدا عنه، وردَّ على قصيدة للقبوريين، ردَّ عليها بقصيدة مثلها، أول قصيدته قوله:
جاءت قصيدتهـم تروح وتغتـدي | في سب ديـن الهاشـمي محمد اسم> |
الشـيخ شاهَدَ بعض أهل جهالـة | يدعـون أصحاب القبور الهُمَّـدِ |
تاجـا اسم> وشمسـانا اسم> وما ضاهاهمـا | من قبة أو تربـة أو مشـهـد |
قد عيروه بأنه قـد كـان فــي | رابح . دارم لـم يسـعـــد |
قلنا لهم: ما ضـر مصر بأنهـا | كانت لفرعون الشقـي الأبعـد |
قل للذي اتخـذ التجهم مذهبـا | ورام به دينا وابتغى بـه مركبـا |
ولدين الأبـرار صار مكـذبـا | ............................. |
إن كان تابع أحمـد اسم> متـوهبـا | فأنـا المـقـر بأننـي وهـابـي |
أنفي الشريك عن الإله فليس لي | رب سـوى الـمـتفـرد الوهــاب |
لا قبة ترجـى ولا وثــن ولا | قـبر له سـبب مـن الأســباب |
كلا ولا شـجر ولا حجـر ولا | عين ولا نصـب مـن الأنـصـاب |
أيضا ولست معلـقـا لتميمـة | أو حلقـة أو ودعـة أو نـــاب |
لرجـاء نفـع أو لدفـع بلـيـة | اللـه ينفعنـي ويـدفـع مـا بـي |
فالحاصل.. أنه رد عليهم أهل البلاد النائية.
كان من جملة الذين حاربوا الدعوة.. عالم كان في مكة اسم> يقال له: أحمد زيني دحلان اسم> جمع الأكاذيب وطبعها في رسالة له سماها: “الدرر السنية في الرد على الوهابية” حشد فيها الأكاذيب مما لا يحصى، لا أصل لها، ولما كانت مكة اسم> تحت ولاية الترك أنشئوا فيها مطبعة في سنة 1250 فكانوا يطبعون كتابه الذي هو: الدرر كل سنة، ويفرقونه على الحجاج الذين يأتون من الهند اسم> و السند اسم> و الباكستان اسم> ويأتون من إفريقيا من الأماكن البعيدة ويفرقون عليهم هذا الكتاب، الكتب في ذلك الوقت قليلة، إذا رجعوا إلى بلادهم ما كان معهم إلا هذا الكتاب والذي كله سب لابن عبد الوهاب اسم> فعند ذلك.. انتشر لابن عبد الوهاب اسم> سمعة سيئة؛ لأنهم يصدقون بما جاء في هذا الكتاب، شيخ الحرم زيني دحلان اسم> يصدقون به؛ فلذلك صاروا يكفرون الوهابية إلى الآن، في الهند اسم> وفي الباكستان اسم> فيسمون بالبريلوية والديوبندية، وكذلك في كثير في بنجلاديش اسم> وحتى في الشيشان اسم> وفي داغستان اسم> وفي تلك القرى تربوا على قراءة هذه الكتب، وعلى تدريسها التي فيها سب ابن عبد الوهاب اسم> وفيها الرد عليه وتكفيره وتضليله.
لا شك أنهم لا يسمعون إلا مثل هذا، فعند ذلك امتلأت قلوبهم بغضا لابن عبد الوهاب اسم> ولأتباعه، وصاروا يكفرونهم؛ حتى يدَّعون أنهم أكفر من اليهود.
ذكر لنا بعض الإخوان أن صاحب بقالة في الهند اسم> يهودي جاء إليه أحد المسلمين في ذلك الوقت من هؤلاء فقال: بعني حاجة بخمسة ريالات ليست معي –دين-. فامتنع أن يعطيه –دينا- حاول فيه فقال: إن لم تعطني فإني سأنفر الناس عنك. فرجع إلى المجورين لهذا المحل وقال: إن صاحب البقالة تحول وهابيا بدل ما كان يهوديا. فقالوا: إذن.. نقاطعه، ولا نشتري منه، ولا نأتي إليه. فانقطع الناس عنه، ولم يأت أحد إليه، وتعطلت السلع عنده، فاستنكر.. ما السبب؟! رجع إليه صاحبه وقال: أنا الذي نفرت الناس عنك. فقال: ردهم وأعطيك الذي تريد. فرجع إليهم وقال: إنه رجع يهوديا. فعند ذلك.. عادوا إلى التعامل معه. إلى هذا المقدار؟! اعتبروا ابن عبد الوهاب اسم> أكفر من اليهود -والعياذ بالله-؛ ومع ذلك فإن المتبصرين منهم اهتدوا.
كان في ذلك الوقت المطابع وجدت في الهند اسم> قبل أن توجد في مصر اسم> وقبل أن توجد في نجد اسم> فأرسل الإمام فيصل بن تركي اسم> رسائل لتطبع في الهند اسم> ومنها: مجموعة التوحيد، ومنها: فتح المجيد، فطبعت في الهند اسم> ولما طبعت ما كان قصدهم لطبعها إلا المصلحة الدنيوية؛ لكنها انتشرت، وتمكنت، وقرأها من يريد الاطلاع، فكان من جملة من قرأها: عالم من الهند اسم> يقال له: محمد بشير السحسواني اسم> ولما قرأها اقتنع بأن كتاب دحلان اسم> كذب، ثم إنه حج مرة، واجتمع مع دحلان اسم> دحلان اسم> توفي سنة 1304 اجتمع معه، وناظره، وناقشه في أصل التوحيد؛ ولكن احتقره دحلان اسم> فقال: إن كنت خيرا مني فرد علي. فقال: سوف أرد عليك ردا أقطعك به. رجع إلى بلاده في الهند اسم> ، ورد على دحلان اسم> وما أذكر أحدا رد عليه ردا مطبوعا؛ وإن كان هناك ردود لم تطبع، فلما رد عليه أرسل الرد إلى الأئمة –هنا- في عهد الإمام فيصل اسم> فطبع رده، ثم انتشر، وطبع عدة مرات، اسمه: “صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان اسم> “ فهذا كفاح عن الحق؛ مع أنه ليس من أهل الجزيرة؛ بل ليس من العرب -أعجمي-؛ ولكن لما تبين له الحق، وانكشف له زيف أولئك الضلال.. نطق بالحق.
كذلك كان من جملة الذين عاندوا: عالم أو متمعلم في سوريا اسم> بالشام، يقال له: يوسف النبهاني اسم> له كتب، وله اشتغال بالحديث؛ ولكن شق عليه أن يعترف بأنَّ فعل القبوريين شرك، فأصر على أنهم على صواب، يخشى من قطع مصلحته، فعاند، وألف كتابا يرد به على الشيخ، ولم يقتصر عليه؛ بل رد على كثير من العلماء -متقدمين ومتأخرين- فرد على ابن عبد الهادي اسم> تلميذ ابن تيمية اسم> لما ألف كتابا اسمه: “الصارم المنكى”، ورد على عالم عراقي من أهل السنة الذي هو الآلوسي اسم> النعمان الآلوسي اسم> ولما اشتهر رده، عند ذلك كتب بعض العلماء إلى أخيه الآلوسي اسم> وهو محمود شكري اسم> أن يرد عليه، فالتزم بالرد عليه، وتوسع في ذلك، وطبع رده قديما في مجلد في مصر اسم> اسمه: “غاية الأماني في الرد على النبهاني اسم> ” ثم طبع بعد ذلك في مجلدين.
فكل ذلك دليل على أن هناك من عرف الحق من غير هذه المملكة اسم> ونطقوا به، وأما الذين أعمى الله -تعالى- بصائرهم؛ فإنهم من المعاندين والمبتعدين عن الحق -نعوذ بالله- فلا يعتبروا.
وأما ردود أئمة الدعوة فهي كثيرة، فرد الشيخ عبد الله العقيل اسم> -رحمه الله- على عالم عراقي يقال له: داود بن سليمان بن درديس اسم> رده مختصر اسمه: “تأسيس التقديس”، ورد عليه -أيضا- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن الحسن اسم> -رحمه الله- ونبغ -أيضا- عراقي يقال له: جميل أفندي صدقي الزهاوي اسم> وألف رسالة رد بها على أهل هذه الدعوة وسماها: “الفجر الصادق”، فرد عليه الشيخ سليمان بن سحمان اسم> - رحمه الله- برده المشهور: “أولياء الشارق في رد شبهات المازق المارق“؛ ولكن ردود الشيخ سليمان اسم> -رحمه الله- فيها شيء من الشدة، وكأنه يقطع الطمع من رجوع أولئك الذين يرد عليهم، ويقول: إنه لا حيلة فيهم، وإننا نرد عليهم؛ حتى لا ينخدع أحد بمؤلفاتهم من الجهلة. هكذا كانت ردوده، وهي كثيرة، ورد -أيضا- على حضرمي يقال له: بابصيل اسم> ورد على يمني يقال له: علوي الحداد اسم> ونحو ذلك. وهذا كله دليل على أن الإسلام في ذلك الزمان، والتوحيد، أصبح غريبا لا يتمسك به إلا القلة الذين عرفوا الحق وتمسكوا به.
مسألة>