اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
79496 مشاهدة
توحيد الربوبية بين الكفار قديما والملحدين حديثا

...............................................................................


ثم في هذه الأزمنة.. قد يوجد من ينكر توحيد الربوبية؛ بل من ينكر وجود الخالق -تعالى الله- ويسندون الأمور إلى الطبيعة، مثل الذين يسمون بالطبائعيين، أو الدهريين أو الشيوعيين، أو الحداثيين، هؤلاء -غالبا- أنهم لا يقرون بمبدأ ولا ميعاد، ولا بخالق ولا مخلوق؛ بل يجعلون الأمور طبيعية؛ ولكن في الحقيقة أنهم لو فكروا، وحكموا عقولهم.. لعرفوا أنهم مخلوقون، وأن الخالق الذي خلقهم هو الذي يوصف بأنه على كل شيء قدير. وتمكنوا في هذه الأزمنة، يقول الحافظ الحكمي -رحمه الله- في عقيدة له:
ولا نـصيـخ لعصـري يفـوح بنـا
ينـاقض الشـرع أو إيـاه يعتقـد
يـرى الطبيعـة فـي الأشـيا مؤثرة
أين الطبيعة يا مخلول إن وجـدوا؟
يرون أن الأمور تجري بطبعها، وأنها طبيعة، وأنها على طبع، خلق الناس وتوالدهم ليس لهم أول ولا آخر، وهؤلاء خالفوا المعقول والمنقول؛ ولكن إذا تفكروا بعقولهم تفكرا سليما رجعوا إلى رشدهم، رجعوا إلى الهدى، من تفكر منهم؛ حتى الفلاسفة الأولون ينقسمون إلى:
فلاسفة طبائعيين الذين ينكرون وجود الخالق، وإلى فلاسفة إلهيين.
يعني: قبل الإسلام بدهر طويل، يسمى هؤلاء طبائعيون وهؤلاء إلهيون. الإلهيون: هم الذين يعترفون بأن للخلق خالقا، وأن الله –تعالى- هو الإله؛ ولكن لم يكونوا على يقين من عقيدتهم؛ فلأجل ذلك ينكرون بدء الخلق، وينكرون إعادة الخلق وبعث الأجساد؛ لأن ذلك هو ما أداه إليه تفكيرهم. يقولون: لم يكن هناك بدء لنوع الإنسان؛ بل هذا الإنسان لم يزل قديما، ولم يسبق بعدم، وأنه لا ينعدم، وليس له منتهى؛ بل هكذا تبقى هذه الدنيا، وهكذا تبقى هذه المخلوقات، ولا يمكن أن تفنى. وهذه لا شك أنها عقيدة باطلة؛ لأنهم أنكروا ما جاءت به الرسل، فأنكروا دين الرسل، وأنكروا الأحكام التي شرعها الله –تعالى- وأمر بها، وأنكروا الحلال والحرام، فصاروا أكفر من المشركين الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المشركون؛ ولو لم يكونوا يقرون بالآخرة؛ ولكنهم يخافون من الله، فيحرمون كثيرا من المحرمات، فيحرمون الزنا ويستبشعونه؛ حتى قالت إحداهن عند المبايعة قالت: وهل تزني الحرة؟! عندهم ما يكون هناك الزنا إلا في الإماء المملوكات، وكذلك أيضا يحرمون الاعتداء؛ إلا لمن اعتدي عليه، فلا يجرؤ أحد منهم أن يقاتل إلا من قاتله، أو ظلمه، أو أساء إليه، وأشباه ذلك. فهذا دليل على أن عندهم عقليات، وأنهم خير من هؤلاء الدهريين الذين أنكروا الخلق والخالق، وادعوا أن هذا أمر طبيعي -تعالى الله عن قولهم-.
وغدا -إن شاء الله- نبدأ في الأمر الثاني. والله أعلم.