اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
90581 مشاهدة
تحقيق معنى لا إله إلا الله

...............................................................................


فالمؤلف -رحمه الله- دعاهم إلى تحقيق كلمة: لا إله إلا الله. وبَيَّنَ لهم معنى الإله، وبَيَّنَ لهم معنى العبادة، وبَيَّنَ لهم معنى الشرك.
فَبَيَّنَ أن الشرك: هو أن يُجْعَلَ لله شريكٌ في نوع من العبادة من أنواعها الكثيرة. مَنْ صَرَفَ منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر. وأنه مُشْتَقٌّ من الاشتراك: وهو أن تجعل الدعاء مُشْتَرَكًا.. بعضه لله، وبعضه لِلْوَلِيِّ، أو تجعل الخوف مشتركا.. بعضه تخاف من الله، وتخاف من ذلك الولي على حَدٍّ سواء، يقول ابن القيم في النونية:
والشـرك فاحـذره فشـركٌ ظاهـرٌ
ذا القسـم ليـس بقابـلِ الغفـرانِ
وهو اتخـاذ النـد للرحمـن أيـ
يـا كان مـن حجر, ومـن إنسانِ
يدعـوه, أو يرجـوه, ثـم يخافــه
ويحبــه كمحبـــة الدَّيَّـــانِ
فهذا هو الشرك الظاهر، أي: الشرك الْجَلِيُّ؛ فهم لا يعتقدون أن دعاء المخلوق شركا؛ وإنما يسمونه توسلا، وتبركا، واستشفاعا، ويقولون مثل ما يقول المشركون الأولون الذين يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ولكنهم ما سموا دعاءهم عبادة، يقولون: ندعوهم؛ حتى يقربوننا إلى الله! نحن مذنبون! ونحن بعيدون! أبعدتنا خطايانا، وهؤلاء أولياء لله، وهؤلاء أحبابه وأصفياؤه، وهؤلاء الْمُقَرَّبُون عنده، فأين نحن منهم؟! نحن بعيدون أن نكون مثلهم؛ فلذلك صاروا يجعلونهم وسائط، أي: واسطة بينهم وبين الله -تعالى- هذا سبب شركهم.
فَيُقَال لهم: أليس الله -تعالى- هو السميع البصير؟ لا يخفى عليه شيء من أمر العباد، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، سميع لأقوالهم، عليم بأعمالهم، بصير بأماكنهم، لا يخفى عليه شيء منهم؛ فلماذا لا تدعونه وحده، ليس ربنا بحاجة إلى أن تجعلوا بينكم وبينه وسائط؛ فإن الذين جعلوا الوسائط كَفَّرَهُمُ الله، الذين قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى فأنتم مثلهم؛ إلا أنكم ما سَمَّيْتُمْ فعلكم عبادة، وهو في الحقيقة عبادة! هنا يغيره! تغيير الأسماء.. أنتم وإياهم على حد سواء في أنكم جميعا تقولون: ما نعبدهم، أو ما نتقرب إليهم؛ إلا لأجل أن يُتَبَرَّكَ بهم؛ ولأجل أن يقربونا؛ ولأجل أن يتوسطوا لنا عند الله -تعالى-.
يضربون مثلا بملوك الدنيا، يقولون: إذا كان لك حاجة إلى أية ملك من الملوك، أو أمير، أو وزير؛ فإنك تحتاج إلى وسائط، تحتاج إلى واسطة قوية، يُدْخِلُكَ على ذلك الأمير أو الملك؛ ويكلمه لك من الأقارب الذين يعرفهم، فيجعلون هؤلاء الأولياء -في زعمهم- والأنبياء، والسادة، ونحوهم، يجعلونهم بمنزلة وسطاء الملوك، والأمراء، ونحوهم.
وهذا تشبيه بعيد، ليس بصحيح. الملوك بشر لم يخرجوا عن كونهم بشرا من جملة الناس، وأما الرب -سبحانه وتعالى- فإنه يعلم أحوالكم، ويعلم أسراركم وضمائركم، ويعلم ما تُكِنُّهُ صدوركم وما تخفيه نفوسكم؛ فلا حاجة إلى أن تتخذوا واسطة، ولا أن تتخذوا وسيلة، ولا أن تجعلوا بينكم وبينه وسائط؛ بل ادعوه كما أمركم الله، الله -تعالى- يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ولم يقل: ادعوا غيري واسطةً. ويخبر بأنه يراكم، يقول تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ .
وبكل حال.. هذا دليل على أن المؤلف يقصد بيان معنى: لا إله إلا الله. وأن أهل زمانه -أو أكثرهم- على جهالة بهذه الشهادة؛ فكان من آثار جهالتهم.. أنهم وقعوا في الشرك، وهم يُسَمُّون ذلك بغير اسمه؛ فأشركوا بالله، وبُيِّنَ لهم فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة.
نتوقف هنا -إن شاء الله- ونقرأ غدا -إن شاء الله- من الساعة الخامسة من حيث وصلنا هنا. فاعلم أن هذه الكلمة نفي وإثبات.