إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80592 مشاهدة
حجج القبوريين

<مسألة نوع=أصولية رتبة=خلافية> ...............................................................................


يتكلف كثير من هؤلاء القبوريين، فيَدَّعُون.. بعضهم يَدَّعِي الفرق، فَيُذْكَرُ أن بعضهم وفد إلى بعض الأمراء في هذه الدولة، وأخذ يُقَرِّرُ أن عندنا الأولياء، وعندنا، وعندنا.
يريد أهل العراق أن عندنا السيد الحسين و عَلِيٌّ فعند ذلك الأمير في هذه البلاد أخذ يُبَيِّنُ لهم أن هذا شرك، وأنكم مشركون، وأن هذه الأفعال عبادات لا يجوز صرف شيء منها لغير الله! فإذا دعوتموهم فقد أشركتم. التجأ إلى حُجَّةٍ أخرى ذلك القبوري، وهي الاحتجاج بالقدر، وقال: نحن لا نعبدهم، ونحن إنما نعبد في الحقيقة الله تعالى! ثم أخذ يُنْكِرُ الأسباب، كأنه يقول: عبادتنا في الحقيقة لله؛ ولو كانت بواسطة، المعبود في الحقيقة هو الله؛ وإنما هؤلاء واسطة.
ثم يستدل بمثل قوله تعالى: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى فيقول: إننا إذا وجدنا من السيد، أو من الحسين نصرا نصرنا، وأيدنا، ورزقنا، فالرزق من الله في الأصل؛ ولكنَّ الحسين أو عَلِيًّا واسطة! نجعله بيننا وبين الله كواسطة، فيستدل بمثل قوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ .
ولا شك أن هذا تحايل!؛ وذلك لأننا نقول: لو كان كذلك لكان المشركون -أيضا- موحدين، فالذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يكونون ما عبدوا في الحقيقة إلا الله، يكون المعبود في الحقيقة هو اللَّه!! والرازق في الحقيقة هو الله! فعلى هذا.. لا يستحق المشركون النار، ولا يستحقون العذاب، فيعتبر الله -تعالى- ظالما لمن أدخلهم النار!! لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله؛ وذلك لأنهم عبادتهم للأصنام هي عبادة لله، عبادتهم للقبور وللأموات وللأشجار والأحجار هي عبادة لله؛ لأنها تُعْتَبَرُ هذه واسطة ووسيلة!! وهذا يُبْطِلُ شرع الله.
نعرف أن ربنا -سبحانه وتعالى- خلق النار، وقال: أنتِ عذابي أُعَذِّبُ بكِ مَنْ أشاء، وخلق الجنة وقال: أنتِ رحمتي أرحم بكِ مَنْ أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها /5. وإذا كان خَلَقَ النار، وجعلها عذابا لمن شاء، فلا بد أن هناك مَنْ يدخلها؛ ولو كان القبوريون، وكذلك الوثنيون ما عبدوا إلا الله، وأن عبادتهم الأصنام إنما هي في الحقيقة لله، لم يكن هناك كفار أصلا! ولم يكن هناك مشركون؛ بل الكل إنما عبدوا الله وحده!! فعرفنا بذلك أن هذه شبهات يُرَوِّجُهَا القبوريون؛ حتى يُبَرِّرُوا موقفهم .
هؤلاء الذين يُعَظِّمُون الأموات، ويدعونهم من دون الله تعالى، ويعتمدون عليهم، ويتوكلون عليهم، ويصرفون لهم خالص حق الله تعالى. يقينا أنهم مشركون؛ لأن هذا جَعْلٌ لتلك العبادات مشتركةً، بعضها لله، وبعضها لغير الله! وهذا هو حقيقة الشرك. فَأُتِيَ القبوريون من جهلهم بهذه الكلمات؛ جهلوا كلمة الشرك، فوقعوا فيه، وجهلوا كلمة العبادة فصرفوها لغير الله، وجهلوا كلمة الإله، فتألهوا غير الله، وكذلك جهلوا كلمة الدعاء، فصرفوه لغير الله، وادعوا أنه ليس هو الدعاء الذي أُمِرُوا بأن يصرفوه لله تعالى.
كما جهلوا معاني الكلمات الشرعية، فجهلوا معنى حقيقة لا إله إلا الله، فاعتقد كثير منهم أن المقصود هو لفظها، واعتقد الحاذق منهم أن المقصودها الاعتراف لله بالخلق والرزق، فَأُتُوا من هذا الجهل!! أَمَّا الأولون فإنهم يعرفون أن هذه الأفعال تسمى عبادة وتَأَلُّهًا ودعاء؛ ولذلك يسمونهم آلهة، ويدعونهم للشفاعة، ومَنْ أسلم منهم عرف أنها لا تَشْفَعُ لهم، ولا تنفعهم.
حكى الله عن صاحب ياسين المؤمن الذي ذكر في سورة يس قال الله تعالى: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ فاعترف بأن قومه اتخذوا من دون الله آلهة، وأن تلك الآلهة لا ينفعون. سُمُّوهم آلهة، وقال: لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا لو استشفعت بهم فإنهم لا يشفعون لي، أو إذا شفعوا فلا يشفعون إلا بإذن الله. إذا كان كذلك فإني أطلب الشفاعة من الله لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى؛ ولهذا يُكْثِرُ الله -تعالى- من ذكر الشفاعة، ويقيدها بأنها لا تنفع إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا . أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ يعني: أَذِنَ للشافع، وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي: رضي قول المشفوع له.
فدل على أنها لا تُطْلَبُ إلا من الله تعالى، وأنها لا تنفع إلا بهذين الشرطين، أذن له الرحمن، يعني: أذِنَ للشافع؛ لِيُكْرِمَهُ، ويُظْهِرَ مكانته، ويُعْلِيَ ذكره ويرفعه، وينيله المقام المحمود الذي يحمده به الأولون والآخرون، فَيُشَفِّعُهُ، أو يقبل شفاعته؛ ومع ذلك فإنه لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله له. ذُكِرَ في حديث الشفاعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي فيخر ساجدا، ولا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقول الله له: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسَلْ تُعْطَ، واشفع تُشَفَّعْ فذكر أنه لا يبدأ بالشفاعة؛ وإنما يبدأ بالسجود طاعةً لله -تعالى- وتعظيمًا له، وما يشفع حتى يُقَالَ له: اشفع تُشَفَّعْ وهذا هو الْإِذْنُ.
ثم بعد ذلك يَحُدُّ له حَدًّا، فيُدْخِلُهُم الجنة، فيقول له: أدخل من أمتك مَنْ لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شُرَكَاءُ الناسِ في سائر الأبواب فيكون هذا إِذْنًا، ويكون -أيضا- رضا؛ لأنه قال: مَنْ لا حِسَابَ عليهم الذين خُفِّفَ عنهم الحساب، أو حوسبوا حسابا يسيرا. فهذا دليل على أنه لا يَشْفَعُ إلا بعد أَنْ يُقَال له: اشْفَعْ تُشَفَّعْ وهو أفضل الخلق وسَيِّدُهم.
وكذلك غيره أيضا، لا يشفعون إلا بإذن الله، كما قال عن الملائكة: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أي: لا يتجرءون على الشفاعة؛ إلا لمن ارتضى الله -تعالى- دينه، وارتضى أمانته، فيأذن لهم للملائكة أن يشفعوا فيه.
وقد ذكر الله -تعالى- الإذن بالشفاعة، وأنه من الله تعالى في آية سورة سبأ، قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يقول بعض العلماء كـ شيخ الإسلام إن هذه الآية قطعت جذور الشرك؛ فإن قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ يعني: الذين تزعمون أنهم آلهة، أو معبودون، أو مدعوون، ادعوهم! ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أخبر بعد ذلك بأنهم لا يملكون مثقال ذرة، يعني: عَبَّرَ بالذَّرَّة لصغرها في السماوات، وفي الأرض، ما يملكون مثقال ذرة. يعني: مُلْكَ استقلال؛ لأنهم إن ملكوا شيئا فإنهم مملوكون معه، هم ملك لله، وما يملكونه مُلْكٌ لله -تعالى- فلا يملكون أدنى شيء؛ ولو مثقال ذرة!! وإذا كانوا لا يملكون مثقال ذرة، فكيف يُعْبَدُون؟!!
فإن قيل: إننا نسلم أنهم لا يملكون؛ ولكن قد يكونون شركاء لله في شيء من الملك، نفى الله تعالى ذلك بقوله: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ يعني: ليس لهم مشاركة، إذا قلتم: نعم. إنهم لا يملكون؛ ولكن يمكن أن يكونوا شركاء؟ فنفى الله تعالى ذلك وقال: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ أي: ليس لهم شراكة؛ ولو في مثقال ذرة، يعني: لا يملكون مثقال ذرة وكانوا استقلالية، وليسوا شركاء لله في شيء من ملكه، وفي شيء من خلقه؛ بل الملك ملكه، والخلق خلقه، والأمر أمره، وهو الذي يدبر الأمر، وهو الذي سخر المخلوقات، ودبرها. فليس أحد شريكا لله -تعالى-؛ ولو في نصف مثقال ذرة.
قد يقولون: نعم. نعترف بأنهم لا يملكون، ونعترف بأنهم ليسوا شركاء لله في هذه المخلوقات؛ ولكن نقول: إنهم أعوان، إنهم ساعدوا ربنا في خلق السماوات والأرض، عاونوه؛ فلأجل ذلك يستحقون أن نعظمهم، أو نصرف لهم شيئا من العبادة، أبطل الله ذلك بقوله: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ أي- معين، ليس لله تعالى أحد أعانه، لم يتخذ في خلق السماوات والأرض أعوانا؛ بل هو المتفرد بذلك إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فلم يتخذ في خلق السماوات والأرض أعوانا يساعدونه -تعالى الله-!
فإذا قالوا: نعترف بأنهم لا يملكون، ولا يشاركون، وليسوا أعوانا؛ ولكن نقول: إنهم من المقربين، وإذا كانوا مقربين فإنهم يشفعون، وينفعون من توسل بهم، فنحن نطلبهم؛ لأجل أن يشفعوا لنا. فأبطل الله تعالى ذلك بقوله: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى بقوله: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ شفاعة الملائكة، ولا شفاعته الأنبياء، ولا الرسل، ولا الصالحين، ولا الأولياء، ولا السادة، ولا القادة، ولا غيرهم، لا تنفع شفاعتهم؛ إلا لمن أذن له، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فلو شفعوا في الكفار ما قبلت شفاعتهم؛ ولو شفعوا بغير إذن الله -تعالى- ما سمح لهم، فلا يشفعون إلا في المؤمنين، ولا يشفعون إلا بعد أن يأذن الله لهم، ويقول لهم: اشفعوا. فعرف بذلك أنهم لا متعلق للمشركين بهم؛ بل المشركون الذين عبدوهم ضاعت عبادتهم.