تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
عبودية الملائكة
<مسألة نوع=أصولية> ...............................................................................
وكذلك الملائكة؛ حتى أشرفهم جبرائيل اسم> و ميكائيل اسم> و إسرافيل اسم> وبقية أنواع الملائكة، كلهم عبيد لله -تعالى- قال الله -تعالى- رسم> لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ قرآن> رسم> أي: لا يأنفون، ولا يتعززون، ولا يترفعون عن كونهم عبيدا لله؛ بل يعترفون بالعبودية لله، ويعترفون بالذل له، والتواضع له، والخضوع بين يديه؛ فهم عبيد له دائما، مخلوقون، ليس لهم من الأمر شيء.
وقد ذكر الله -تعالى- عبودية الملائكة وبَيَّنَ أنهم عبيد لله؛ وذلك لأن هناك من يعبدهم، ويتعلق عليهم، أو ينسبهم إلى أنهم أولاد الله، يقولون: الملائكة بنات الله! قال الله تعالى: رسم> وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ قرآن> رسم> من هم؟ الملائكة رسم> لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> أي: لا يُسَابقونه ويتقدمونه بين يديه بأية قول؛ بل إنما يقولون ما أمرهم به؛ وإنما يعملون بما أمرهم به، فهم عباد مكرمون رسم> لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ قرآن> رسم> أي: يعلم أسرارهم، وعلانيتهم رسم> وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى قرآن> رسم> أي: لا يتقدمون بالشفاعة بين يديه إلا لمن ارتضى رسم> وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ قرآن> رسم> أي: خائفون، يخشونه كأشد خشية، رسم> وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ قرآن> رسم> يعني: تقديرا، لو قُدِّرَ أن أحدا منهم ادعى أنه إله من دون الله؛ فإن الله يعاقبه: رسم> فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ قرآن> رسم> .
كما أن الله -تعالى- كرمهم، وشرفهم، كما في قوله تعالى: رسم> لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ قرآن> رسم> أي: يسبحونه في كل أوقاتهم، ولا يفترون عن عبادته، ولا يعتريهم ملل ولا سأم؛ بل -دائما- هم مُجِدُّون في عبادته. أليس ذلك دليلا على أنهم عبيد لله، وعابدون له؟ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ هذه حالتهم.
ورد -أيضا- في الحديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك متن_ح> رسم> يعني: يخلص ذلك فيهم. ضَرْبُهُم بأجنحتهم من باب التواضع، إذا سمعوا أن الله أَمَر بأمر، ضربوا بأجنحتهم، أي: مدوها تواضعا، الطائر إذا تواضع مد جناحيه على الأرض. أخبر بأنهم إذا سمعوا كلام الله ضربوا بأجنحتهم تواضعا لله، يَنْفُذُهُم ذلك.
وفي حديث آخر: رسم> إذا أراد الله أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي، أخذت السماوات منها رجفة، أو قال: رِعْدَة شديد؛ خوفا من الله-تعالى- فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا، وخروا لله سجدا؛ فيكون أول من يرفع رأسه جبريل اسم> فيكلمه الله وحيا بما أراد، ثم يمر على الملائكة، فيقولون: ماذا قال ربنا يا جبريل اسم> ؟ فيقول: قال الحق، وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثلما قال جبريل اسم> فينتهي جبريل اسم> بالوحي إلى حيث أمره الله رسم> . كلهم يُكَرِّرُون قوله: قال الحق وهو العلي الكبير. ومعنى فُزِّعَ عن قلوبهم: زال عنهم الفزع الذي حصل بسبب سماعهم لتلك الرجفة، التي هي من آثار كلام الله، مَثَّلَ كلام الله عند سماعهم بِجَرِّ السلسلة على الصفوان.
فـ الملائكة خلق من خلق الله ذكر الله أنهم مُقَرَّبُون في قول الله تعالى: رسم> لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ قرآن> رسم> أي: لا يأنفون من كونهم عبيدا لله تعالى، وكذلك ينفون أن يرضوا بعبادة مَنْ عَبَدَهُمْ.
هناك مَنْ عَبَدَ الملائكة، ودعاهم مع الله! يقول الله تعالى: رسم> وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ قرآن> رسم> نفوا ذلك، إذا كان الملائكة معبودين من دون الله؛ فإنهم ما رضوا بهذه العبادة، وإن الذين أوقعوهم في عبادة الملائكة هم الشياطين والجن، فكأنهم في الحقيقة عبدوا الجن، أي: مردة الشياطين، مردة الجن: الذين هم الشياطين.. يعبدون الشياطين، تَبْرَأُ الملائكة من عبادة مَنْ عَبَدَهُمْ رسم> قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ قرآن> رسم> وفي آية أخرى: رسم> سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا قرآن> رسم> .
فالملائكة: خلق من خلق الله، زَيَّنَ الشيطان للمشركين، وادَّعَوْا أنهم: بنات الله! فتنقصوا الله بجعلهم لله ولدا، وهذا يعتبر شَتْمًا للرب -تعالى- في الحديث القدسي: كَذَّبَنِي ابن آدم اسم> ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك ، فسر الشتم: بأنهم جعلوا لله ولدا، فيقول: أما شتمه إياي.. فقوله: لي ولد! وأنا الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد. الولد قول المشركين: إن الملائكة بنات الله! كَذَّبَهُمُ الله، فقال تعالى: رسم> وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا قرآن> رسم> يعني: أنهم جعلوهم إناثا، رسم> وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ قرآن> رسم> فهذا يعتبر تنقصا من المشركين؛ أنهم تنقصوا الله؛ حيث جعلوا له ولدا، وجعلوا ذلك الولد أنثى -تعالى الله عن قولهم-.
فالحاصل.. أن كلمة التوحيد: نفي، وإثبات.
نفي الإلهية عما سوى الله -تعالى- من المرسلين، والملائكة؛ حتى محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم-؛ فضلا عن سائر النبيين، إذا كان محمد اسم> هو أشرف المرسلين، فنفيت عنه، فكيف بغيره؟! كذلك نفيها عن الملائكة؛ حتى جبريل اسم> مع أنه أشرف الملائكة، فإذا نُفِيَتْ عنه، فبقية الملائكة أَوْلَى.
وإذا نفيت عن كل ما سوى الله -تعالى- لزم إثباتها لله -عز وجل-.
هذا هو تمام الاعتراف: نفيها عما سوى الله، وإثباتها لله -سبحانه وتعالى-.
مسألة>