إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
79457 مشاهدة
عاقبة القبوريين

...............................................................................


والحاصل: أن هذه المعابد كان القبوريون يعظمونها، ويكثرون من التعبد عندها، ويدَّعون أن هذا ليس بشرك. قد رد عليهم المؤلف –رحمه الله- في كتابه كتاب التوحيد لما بوب أبوابا في وسط الكتاب، منها: باب ما جاء من الوعيد فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟ أي: فكيف إذا عَبَدَ الصالح؟ أورد قوله -صلى الله عليه وسلم- لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأورد قوله: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد؛ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك .
ثم يقول -رحمه الله- فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك، والصلاة عندها من ذلك؛ وإن لم يبن مسجدا، وهو معنى قول عائشة مخافة أن يتخذ قبره مسجدا -يعني- تقول: ولولا ذلك لأُبرز قبره؛ ولكنه خشي أن يتخذ مسجدا. فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حوله مسجدا؛ ولكنهم دفنوه في حجرته؛ حتى يكون ذلك أبعد عن أن يُتخذ قبره مسجدا.
ثم يحتج القبوريون -الآن- بأن قبر محمد في وسط المسجد. والجواب: أنه كان في الأصل في وسط حجرته التي كان يسكنها؛ وإنما أدخل بعد موت الصحابة الذين بالمدينة فلا يعتبر إدخالهم له من أجل توسعة المسجد -لا يعتبر- جعلا له مسجدا.
ثم لم يقتصروا على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا على قبور الصحابة كزيد بن الخطاب وعلي والزبير و الحسين وما أشبههم؛ بل تجاوزا إلى هؤلاء الذين لا يعرف لهم شيء من الصلاح، مثل هؤلاء الذي سماهم، مثل: شمسان وإدريس يقال له: الأشقر ويوسف وتاج وأمثالهم الذين في زمان المؤلف، كانوا يُعبدون ويُتقرب إليهم.
ذكرنا أن العالم الهندي الذي في ساكن لنجة لما أرسل إليه الشيخ كشف الشبهات رد عليهم -رد على القبوريين ونحوهم- بقصيدته الدالية المشهورة التي مطلعها:
جاءت قصيدتهم تـروح وتغتـدي
فـي سب ديـن الهـاشمـي محمدِ
إلى أن قال فيها:
قـالوا لـه يـا فـاجرا يـا كـافرا
مـا ضـره قـول العـداة الحُسَّدِ
قـالت قـريش قبلهـم للمصطفـى
ذا سـاحر ذا كـاهن ذا معتـدي
قـالوا يعـم المسلمـين جميعهـم
بـالكفـر قلنـا ليس ذا بمؤكـدِ
إلى أن قال:
الشـيخ شاهَدَ بعـضَ أهـل جهالة
يدعـون أصحـاب القبـور الهُمَّـد
تاجا وشمسانـا ومـا ضـاهاهمـا
مـن قبــة أو تربـة أو مشهـد
فدل على أن الشيخ كتب إلى ساكن لنجة واسمه ملا عمران والملا -عندهم- الشيخ أو العالم. وأنه كتب إليه: أن عندنا هؤلاء الأموات الذين يدعونهم من دون الله ويتقربون إليهم، فبين أن الشيخ ما أنكر إلا الشرك الذي هو عبادة أمثال هؤلاء، وأن هذا حقيقةً هو الذي يفسد معنى التوحيد، ويبطل عباداتهم، كأنهم لما قالوا: لا إله إلا الله جاءوا بما يفسدها، وهو شركهم بهؤلاء الأموات، فلم تنفعهم كلمة لا إله إلا الله.
هذا تقرير الشيخ -رحمه الله- على هذه الكلمة. والله أعلم.