إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
90503 مشاهدة
عبد القادر الجيلاني

...............................................................................


وأما عبد القادر الجيلاني فإنه عالم من علماء الحنابلة، وتتلمذ على ابن الجوزي وتوفي في القرن السابع، وكان -أيضا- من الزهاد ومن العباد؛ إلا أنه لم يكن من أهل الحديث ولا من أهل العلم الصحيح، علمه يغلب عليه أنه علم إشارات ورموز، وأنه من المتصوفة ونحوهم.
انخدع به غلاة الصوفية، واعتقدوا فيه أنه يتصرف في الكون، وأنه يملك الضر والنفع، اعتقدوا فيه وكذبوا عليه أكاذيب لا تحصى، وصاروا مع ذلك يدعونه ويعبدونه في كثير من الآفاق في شرق البلاد وفي غربها، ليس في بلاده التي هي العراق ؛ بل في غيرها من البلاد، لما أنها اشتهرت تلك الحكايات عنه فصاروا يغلون فيه.
هو -بلا شك- عنده تقشف، وعنده زهد وعبادات، ويغلب عليه -أيضا- وصف أو يقرب من وصف الصوفية الذين عندهم شيء من الغلو في التصوف، قد وصل بعضهم إلى الحلول ووحدة الوجود.
ترجمه الذين طبعوا كتابه الغنية، ولما ترجموه كانوا من المتصوفة، فذكر في أول ترجمته أنه كان يقول: زل الحلاج زلة لم يكن في زمنه من يأخذ بيده؛ ولو كنت في زمنه لأخذت بيده. كأنهم يقولون: إنه على طريقة الحلاج و الحلاج هو الذي قتل في سنة ثلاثمائة وتسعة لما ادعى التصوف، وصدرت عنه إشارات تدل على أنه من أهل الوحدة، فحكم عليه أهل زمانه بأنه كافر، وحفظوا من كلماته مثل قوله: ما في الجبة إلا الله. يعني: يعتقد أنه هو الله، واعتقاده أن اللاهوت اتحد بالناسوت، كان من شعره قوله:
سـبحان مـن أظهـر ناسوتـه
صفـا سنا لاهوتـه الثـاقـب
حـتى بـدا مسـتترا ظـاهـرا
فـي صـورة الآكـل والشارب
-نعوذ بالله-. كذلك قوله -على ما حكوا عنه-
الـرب عبــد والـعبــد رب
يا ليت شعـري مـن المكـلف
وقيل: إن هذا لابن عربي.
إن قـلـت عـبـد فــذاك رب
أو قـلــت رب أنـى يكـلـف
وقوله:
وفـي كـل شـيء لـه آيـة
تـدل عـلـى أنـه عـيـنـه
يعني: أن كل شيء هو عين ذات الإله. فحكم العلماء بأن هذا ردة وكفر، وقتلوه، وله ترجمة طويلة في البداية والنهاية وغيرها، فيها حكايات عجيبة تدل على أنهم مبهرجون، عندهم من البهرج والكذب والتدجيل الشيء الكثير، فالذين يقولون: إن عبد القادر كان على طريقته، وأنه يقول: لو كنت بزمانه لأخذت بيده. هؤلاء على هذه الطريقة التي هي طريقة الوحدة -وحدة الوجود-.