اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
100211 مشاهدة
حقيقة الألوهية

...............................................................................


يقول: إذا فهمت ذلك فَتَأَمَّلِ الألوهية، التي أثبتها الله -تعالى- لنفسه. تأمل الألوهية.
اعلم أن الألوهية: هي التأله الذي هو التعبد. وأن الله-تعالى- نفاها عن كل ما سواه، نفاها عن محمد وغيره من الأنبياء، ونفاها عن جبريل وغيره من الملائكة، وأخبر بأنهم جميعا ليس لهم منها مثقال حبة من خردل؛ بل كلها لله وحده، يعم ذلك جميع أنواع الألوهية.
إذا عرفنا أن الإله: هو الذي تألهه القلوب. تألهه القلوب.. محبة، وعبادة، وخضوعا، وإنابة. وأن هذا هو حَقًّا تعريف العبادة التي هي مُشْتَقَّةٌ من التعبد، والتي ذَكَرَ معناها ابن القيم -رحمه الله- في النونية بقوله:
وعـبادةُ الرحمـن غَايَـةُ حُبِّـهِ
مـع ذُلِّ عـابـده همـا قُـطْبَـانِ
وعليهمــا فلـك العبـادة دائـرٌ
مـا دار حــتى قــامت القطبـانِ
ومـداره بـالأمر أمــرِ رسـوله
لا بالهـوى, والنفـسِ, والشـيطانِ
هذه هي العبادة، وهي الألوهية.
الإله: هو الذي تألهه القلوب.. محبة، وخوفا، وخضوعا.
ويفسرون العبادة بأنها: غاية الحب مع غاية الذل. أن يكون محبا لله تعالى، ومتذللا بين يديه. غاية الحب مع غاية الذل. فإذا تخلف واحد منهما تخلف وَصْفُ الألوهية، فالذين يتعبدون؛ ولكنهم لا يحبون معبودهم، يعني: يكرهونه، لا يُوصَفُون بأنهم جعلوه إلها، ولا أن أفعالهم عبادة؛ وذلك لتخلف أثره -أثر العبادة- الذي هو الحب، الذي يدفعهم إليه إحسانُه، وإنعامُه، وفَضْلُهُ على عباده. وإذا تخلفت العبادة، وادعى الحب، لم يكن الحب صحيحا.
فالذين يحبون الله؛ ولكن لا يتواضعون له، ولا يتضرعون، ولا يخشعون بين يديه، ولا يدعونه، ولا يرجونه، ولا يعتمدون عليه، ولا يركعون له، ولا يسجدون له!! هؤلاء ليسوا -أيضا- ممن اتخذه إلها.
فالتأله: هو التَّحَبُّبُ، والتودد، والتواضع، والتذلل، والإنابة، والخضوع، والخشوع، وما أشبه ذلك؛ لذلك يصدق عليهم أنهم اتخذوا الله -تعالى- إلها، فمن صرف من هذه الأنواع شيئا لغير الله فقد أشرك، أشرك بالله؛ ولو شيئا يسيرا، لا يملكون من الإلهية مثقال حبة من خردل. الخردل: شجر معروف كبير، وحبه أصغر من حَبِّ الدخن، معروف؛ فَيُمَثِّلُ الله - تعالى – بها -بحبة الخردل- قال تعالى: وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وقال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ .
فمعنى ذلك: أَنَّ كل من سوى الله من الآلهة -التي تسمى آلهة- لا يصلح أن يُصْرَفَ لهم شيءٌ من الإلهية؛ ولو شيئا يسيرا؛ ولو كانوا ما كانوا؛ ولو كانوا أنبياء، ورُسُلًا، وملائكة، وأولياء، ونحوهم؛ وذلك إشارة إلى أن هناك من جعل مع الله آلهة أخرى، قد يكونون أَقَلَّ من الأنبياء، وأَنْزَلَ قدرًا منهم.