شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب
استقبال القبلة واستدبارها
...............................................................................
تكلم بعد ذلك على استقبال القبلة واستدبارها فاختار أنه يحرم واختار تقييد ذلك إذا لم يكن هناك حائل. أي: إذا كان في الصحراء. هكذا بمعنى أنه إذا كان في صحراء فإنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها.
ذكروا من الأدلة حديث أبي أيوب اسم> أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا متن_ح> رسم> يخاطب أهل المدينة اسم> ؛ لأن قبلتهم في جهة الجنوب فهو يقول: اجعلوا القبلة عن أيمانكم واستقبلوا المشرق أو عن شمالكم واستقبلوا المغرب، ولا تجعلوها أمامكم ولا خلفكم وجاء أيضا حديث رسم> سلمان اسم> لما قال له اليهود: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة يعني: حتى أداب التخلي فقال: أجل. لقد نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع دابة أو عظم متن_ح> رسم> .
فذكر أن من جملة ما نهاهم عنه استقبال القبلة واستدبارها، وما ذاك إلا لحرمتها. فإن القبلة قبلة المصلين ووجهتهم، وهي أفضل الجهات. يؤمها المصلون في صلواتهم فرضها ونفلها، وتتوجه قلوبهم نحوها وتحن أفئدتهم إليها، وذلك لفضلها ولشرفها؛ فلما كانت كذلك كان من صيانتها لا تستقبل بالفروج ولا تستدبر بالأدبار، ولكن يجعلها عن يمينه أو عن يساره في بلادنا هذه لا يشرق ولا يغرب. إذا غرب فالقبلة أمامه، وإن شرق فخلفه، ولكن يجعلها عن يمينه فيتوجه إلى الجنوب أو عن شماله يتوجه إلى الشمال. هذا الوضع في هذه البلاد. الوضع في البلاد الغربية كجدة اسم> ونحوها أنه يعكس يعني: لا يستقبل المشرق فالقبلة أمامه، ولا يستقبل المغرب فالقبلة خلفه، بل يجنب أو يشمل، الوضع في البلاد الجنوبية كالطائف اسم> والباحة اسم> ونحوها هو بعكس المدينة اسم> يشرق أو يغرب، وهكذا أيضا الوضع في البلاد البعيدة ففي اليمن اسم> يشرقون أو يغربون، وفي العراق اسم> وفي سوريا اسم> كذلك أيضا يشرقون أو يغربون، وفي إفريقيا اسم> ونحوها مثلنا لا يشرقون ولا يغربون وهكذا.
اختلف هل هذا عام في البنيان وفي الصحراء؟ فالمؤلف قيد ذلك بالصحراء، وقيد ذلك بلا حائل، وقال: إنه يكفي أن يرخي ذيله يعني أن يرخي طرف ثوبه حتى يستر عورته. هكذا رأى وهذا قول كثير من العلماء اجتهادا وجمعا بين الأحاديث ذكرنا حديث سلمان اسم> وحديث أبي أيوب اسم> في النهي مطلقا، لكن جاءت أحاديث أخرى أصحها حديث ابن عمر اسم> رسم> أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على لبنتين مستدبر الكعبة اسم> مستقبل الشام اسم> يقضي حاجته متن_ح> رسم> فهذا فيه فعله أنه استدبرها، وجاء حديث في السنن عن جابر اسم> قال: رسم> كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، فرأيته قبل أن يموت بسنة يستقبلها متن_ح> رسم> وجاء حديث نحوه أيضا عن عائشة اسم> وبكل حال هذه أحاديث فيها أنه عليه الصلاة والسلام استقبلها واستدبرها. فكيف الجمع؟
جمع أكثر الفقهاء وبعض المتأخرين كابن بسام اسم> في تيسير العلام على أنه يختص المنع بالصحراء والإباحة بالبنيان، فإذا كان في بنيان، أو كان وراء ساتر كجدار يستره عن الكعبة اسم> أو كذلك في أصل جبل أو نحو ذلك، فإن له أن يستقبل أو يستدبر في حديث ابن عمر اسم> ما رآه إلا بعدما رقى على سطح حفصة اسم> فدل على أنه استتر بجدار، وحديث جابر اسم> ذكر أنه استتر بناقته أي: جعلها بينه وبين القبلة. فدل على أنه ما فعل ذلك إلا في داخل البنيان، فأباحوا الاستقبال والاستدبار في داخل البنيان، ورجح آخرون أنه لا يجوز لا في البنيان ولا في الصحراء.
رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> ذكر ذلك صاحب الاختيارات، وفيه أيضا رسائل مجموع الفتاوى، وتبعه على ذلك الشوكاني اسم> في نيل الأوطار، ورجح ذلك أيضا صاحب تحفة الأحوذي شرح الترمذي اسم> كيف جوابهم عن حديث جابر اسم> وابن عمر اسم> ؟ يقولون: إن هذا فعل، والفعل يحتمل الخصوص، والأحاديث التي موجهة إلى الأمة قول، والقول توجيه وتعليم للأمة فلا يمكن أنه يُخالف ذلك؛ وذلك لأن كثيرا من الأفعال جاء ما يدل على أنها من الخصائص للنبي صلى الله عليه وسلم خصوصيات، أوردها السيوطي اسم> في كتاب مطبوع في خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرها أو أشار إليها البيهقي اسم> في السنن الكبرى في أول كتاب النكاح، وتبعه على ذلك كثير من المؤلفين؛ وإن كان كثير منها يحتمل أنه ليس على الخصوص. وبكل حال هذا عذر واعتذروا أيضا؛ بأن هذه الأحوال قد تكون لعذر كعذره لما بال قائما؛ فلذلك رجحوا أنه يبقى الأمر على التحريم.
في البنيان وفي الصحراء هكذا الراجح أنه لا تستقبل القبلة مطلقا ولا تستدبر ببول أو غائط، ومن الأدلة أن أبا أيوب اسم> فهم العموم يقول أبو أيوب: اسم> رسم> فقدمنا الشام اسم> فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة اسم> فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل رسم> . وجدوا المراحيض المقاعد موجهة مبنية قديما قبل الإسلام وموجهة نحو القبلة الذي يجلس عليها يستقبل القبلة يقول أبو أيوب: اسم> فإذا دخلناها ننحرف ننحرف عنها يمنة أو يسرة نحاول ألا نستقبل القبلة، وفي هذا الإرشاد إلى أن الذين يؤسسون المقاعد في الحمامات عليهم أن يلاحظوا عدم توجيهها إلى القبلة حتى لا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها؛ لعموم الأحاديث التي في النهي. هذا وجهة من يقول: لا تستقبل القبلة ولا تستدبر في صحراء ولا في بنيان استدلالا بفعل أبي أيوب اسم> وغيره.
المؤلف يقول: ويكفي إرخاء ذيله. يقول: ذيله يعني: طرف ثوبه فلو كانت القبلة وراء ظهره فاستتر بأن أرخى ثوبه، أو أرخى مشلحا أو عباءة عليه حتى يستر دبره في حالة جلوسه أن ذلك يكفي، ولكن الحديث عام، يصدق عليه أنه استدبر الكعبة اسم> ولو كان قد ستر دبره بثوبه أو نحوه، وكذلك لو استقبلها وستر فرجه بإرخاء ثوب أو نحوه يصدق عليه أنه قد استدبرها. قد استدبر الكعبة اسم> أو قد استقبلها.
مسألة>