تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
حقيقة الشفاعة
...............................................................................
أما الشفاعة.. فإن الشفاعة إنما تكون في الآخرة الشفاعة الْمُثْبَتَة التي قال الله: رسم> وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى قرآن> رسم> و رسم> لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى قرآن> رسم> فهذه الشفاعة تكون في الآخرة. قد ذكر الله تعالى لها شرطين في قوله: رسم> إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى قرآن> رسم> الإذن والرضا شرطان لحصول الشفاعة، فعلى هذا لا يقال: إنه يمكن أن يشفعوا في الدنيا؛ بل الشفاعة لا تكون إلا في الآخرة.
ثم على هذا قد أخبر الله -تعالى- أنه هو الذي يَمْلِكُها في قوله تعالى: رسم> قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا قرآن> رسم> أي: هي ملكه، فإذا طلبناها فإننا نطلبها من الله، لا نطلبها من مخلوق. نقول: اللهم شفع فينا أنبياءك ورسلك، اللهم اقْبَلْ شفاعتهم فينا، اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة الشافعين.
أَمَّا أن نقول: يا نبي الله اشفع لنا، أو أنجنا، أو اجعلنا من الذين تشفع فيهم! فإن هذا لا يجوز؛ لأنه دعاء لغير الله. إذا قلت: يا نبي الله! أليس يا حرف نداء؟! فإذا قلته فقد دخلت في دعوة غير الله، قال الله تعالى: رسم> وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ قرآن> رسم> رسم> وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ قرآن> رسم> لأنهم أموات رسم> وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ قرآن> رسم> ينكرون، ويقولون رسم> مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ قرآن> رسم> نحن في حال وأنتم في حال، نحن في شأن وأنتم في شأن، أنتم تدعوننا في الدنيا، وتطلبون منا أن نشفع لكم أو ننفعكم، نحن لا نملك شيئا، إنما الملك لله وحده رسم> لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ قرآن> رسم> رسم> يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ قرآن> رسم> فكيف تُشْرِكُونَنَا مع الله؟! رسم> وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ قرآن> رسم> أي: جاحدين ومنكرين.
فَدَلَّ على أن الشفاعة لله وحده، وأنها تُطْلَبُ من الله. فهؤلاء الذين يقولون: نريد الوجاهة، ونريد الشفاعة، نحن نعرف أن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ. أن هذا لا ينفعهم؛ بل إنهم أصبحوا مشركين بدعاء الأنبياء والصالحين وما أشبههم.
فإذا قالوا: إننا نعترف بأن الله هو الخالق الرازق؛ وإنما نتوسل بهؤلاء الصالحين، نطلب منهم الشفاعة عند الله؛ مع علمنا بأن الله -تعالى- هو الذي يخلق ويرزق.
فالجواب أن تقول: كلامك هذا مذهب أبي جهل اسم> الذي هو يُسَمَّى عمرو بن هشام اسم> واشتهر بأبي جهل اسم> وكنيته عندهم: أبو الحكم اسم> سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جهل اسم> . هذه حجتهم هو وأمثاله من المشركين، ومن القبوريين كلهم، أن عبادتهم شرك.
يَدْعُون عيسى اسم> -يعني- كالنصارى، ويدعون عزيرا اسم> -يعني- كاليهود، ويدعون الملائكة، كمشركي العرب. المشركون من العرب يعبدون الملائكة، ويدعون الأولياء، كالذين يدعون اللات وغيره، فهم يدعون هؤلاء الأنبياء والملائكة والصالحين، ويدعون أشجارا وأحجارا ما أذنبت؛ بل هي مطيعة لله، ويسجدون لها ويعبدونها؛ وبذلك صاروا مشركين، يدعون هؤلاء.. ماذا يريدون؟ قال الله تعالى: رسم> وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قرآن> رسم> هذه شبهتهم رسم> هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قرآن> رسم> .
ذكر الله أنهم يعبدونهم، والدعاء -هنا- النداء. يعني: ينادونهم؛ ولكنهم يتذللون عند قبورهم، وعند ذِكْرِ أسمائهم، ويتواضعون لهم، ويتضرعون بين أيديهم، ويُخْبِتُون ويُنِيبون، فكأنهم أمام الرب تعالى! فيكونون بذلك قد عبدوهم؛ ولو لَمْ يسموا أفعالهم عبادة، يعبدون ما لا يضرهم ولا ينفعهم -يعني- كالغائبين والملائكة ونحوهم لا تضر ولا تنفع.
وكذلك ما ينحتونه من الأصنام التي ينحتونها على هياكل أولياء، أو نحوهم، يصورون صورة على صورة السيد فلان، من خشب، أو من حجارة، فينصبونها، ثم مع ذلك يدعونها، ويتمسحون بها، ويتبركون. أخبر الله -تعالى- بأنهم لا ينتفعون بذلك، ولا يضرهم خلقها، ولا يضرهم فعل ذلك، وأن هؤلاء المدعويين لا يملكون نفعا ولا ضرا رسم> وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا قرآن> رسم> و رسم> لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ قرآن> رسم> رسم> وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا قرآن> رسم> فلا يستطيعون لِعَبَدَتِهِمْ نصرا رسم> وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ قرآن> رسم> لا يَنْصُرُ نفسه، ولا ينصر غيره!
ولهذا.. لما أسلم أهل الطائف اسم> أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يَكْسِرُ صنمهم الذي هو اللات، وكان على قبر رجل صالح كان يَلُتُّ السويق للحاجِّ، فلما جاء ليكسرها ظنوا أنَّ مَنْ كسرها أصيب بجنون، أنها تصيبه بخبال، أو بِسَلْبِ عقل، أو تميته، فكان ذلك قد ارتسم في أذهانهم، فصاروا ينظرون، لما جاء المغيرة بن شعبة اسم> ومعه عُمَّال يكسرونها، كِسْرة.. كِسْرة.. والناس ينظرون إليهم، فلما انتهى من ذلك ظنوا أنه لا يُصْبِحُ حيا! أصبح سليما ليس به بأس، فعرفوا بأنها لا تنفع ولا تضر، لا نَفَعَتْهُم ولا ضرت من حَطَّمَهَا؛ ومع ذلك يقولون: رسم> هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قرآن> رسم> نرجو شفاعتهم. الشفاعة: الوساطة، يعني: يتوسطون لنا عند الله، ندعوهم وهم يدعون لنا الله، نستنصر بهم، وهم يستنصرون الله لنا، لينصرنا، فننتصر على أعدائنا في القتال.
وكذلك أيضا نحصل على رزق، على مال، وعلى أرزاق يأتي بها الله، يعترفون بأن الله -تعالى- هو الرازق -كما تقدم- رسم> قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ قرآن> رسم> فدل على أنهم إنما يرجون الشفاعة، يعني: وساطتهم. وإذا قلت: إنهم لا يؤمنون بالبعث، فكيف يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟! أقول: إنهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق الْمُدَبِّرُ، ويعترفون أن الرزق والملك بيده؛ ولكن يقولون: يشفعون لنا حتى ينصرنا في القتال، يشفعون لنا حتى يغيثنا عند الجهاد، يشفعون لنا حتى يشفى مرضانا، يشفعون لنا حتى تطيب أحوالنا، وحتى تكثر أموالنا، وهم يرجون شفاعتهم؛ حتى يحصل لهم مصلحة دنيوية. هذا معتقدهم.
ومثل هذه الآية.. قوله تعالى عنهم في سورة الزُّمَر: رسم> وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> اتخذوا أولياء -يعني- من السادة، أو من القادة، أو من الأنبياء، وجعلوهم أولياء لهم من دون الله. ثم قالوا: ما نعبدهم ونتقرب إليهم رسم> إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> هم مُقَرَّبُون عند الله، ونحن بعيدون، فيأخذون بأيدينا، ويقربوننا إلى الله زلفى!.
وإذا كان كذلك.. فهذا هو قول القبوريين في هذه الأزمنة!؛ فإنهم يقولون: إن هؤلاء الأولياء مُقَرَّبُون عند الله، يعني: هؤلاء السادة! السادة عندهم هم: أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- في نظرهم أنهم من ذُرِّيَّة الحسن اسم> أو الحسين. اسم>
كل من كان من هذا النسب يُسَمُّونه شريفا، ويسمون أفرادهم سادة، ثم يَدَّعُون أن لهم وجاهةً لمكانتهم، إما أنهم اكتسبوا هذه الوجاهة لِقَرَابتهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- وإمَّا أنهم يَدْعُون الله لنا، وإما أنهم يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفتهم من قرابته أن يشفع لنا، وأن ينفعنا، فالجميع يطلبون منهم، ويَدَّعُون أنهم يطلبون من الله! فهذا هو معتقدهم.
فنقول لهم مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأولئك المشركين في هذه الآية: رسم> وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ قرآن> رسم> أتخبرون الله بشيء يخفى عليه؟! الله تعالى أعلم منكم، أعلم منكم وأعلم من الأولياء هؤلاء، أعلم بأحوالكم، أتريدون أن الله يَخْفَى عليه شيء من أحوالكم؟! رسم> أَتُنَبِّئُونَ قرآن> رسم> يعني: أتخبرون. تخبرون الله بشيء لا يعلمه في السماء والأرض رسم> سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ قرآن> رسم> وكذلك قوله: رسم> وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> هذه مقالتهم.
فَيُقَال لهم -أيضا- إنهم لا يملكون هذا التقريب رسم> إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ قرآن> رسم> نقول لهؤلاء -أيضا- اطلبوا الله تعالى مباشرة؛ فإنه قريب، تَذَكَّرُوا قول الله تعالى: رسم> وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ قرآن> رسم> الله -تعالى- يسمعكم، يسمع دعاءكم، ويعلم سِرَّكُمْ ونجواكم، فلا يجوز لكم أن تدعوا غيره، وتعدلوا إلى غيره، فليس بحاجة إلى أن يُدْعَى معه غيره. ولا شَكَّ أنكم إذا دعوتم هؤلاء فقد عظَّمْتُمُوهم، وإذا عظمتموهم فقد صَيَّرْتُمُوهم آلهة؛ ولو سميتموهم ما سميتموهم! فهم في الحقيقة آلهة؛ لأن قلوبكم تَأْلَهُهُمْ، فتكونون بذلك قد نَقَضْتُم ونقصتم معنى: لا إله إلا الله، وجعلتم هؤلاء السادة والقادة آلهة عند الله.
هكذا يكون الجواب. وتتمته نقرؤه غدا -إن شاء الله-.
مسألة>