تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
208255 مشاهدة
أسقطت المرأة حقها من القَسْم أو من النفقة أو الكسوة بإذن الزوج

وإن أسقطت المرأة حقها من القَسْم أو من النفقة، أو الكسوة، بإذن الزوج: جاز ذلك، وقد وهبت سودة بنت زمعة يومها لعائشة. فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه .
.


قوله: (وإن أسقطت المرأة حقها من القسم، أو من النفقة، أو الكسوة، بإذن الزوج: جاز ذلك):
كثيرًا ما يرغب الرجل عن زوجته، يعني: لكبر سن أو لعيب أو لكراهة؛ فيقول: لا حاجة لي في الاستمتاع بك ولا أستطيع أن أنام معك ولا أجامعك فلا أجد نفسي مائلا إليك- لأي سبب، فلك الخيار إن أردت أن تبقي في ذمتي ولا حق لك في المبيت فابقي، وإن أردت الطلاق طلقتك وخليت سبيلك، فإذا قالت: لا أريد الطلاق؛ بل أجلس في بيتي ومع أولادي ولو لم تعطني شيئًا من المبيت ولا من القَسْم؛ فهي قد أسقطت حقها وصارت قسمته للبواقي، وذلك لأنها رضيت بهذا، فهو أهون عليها من الطلاق الذي فيه فراق زوجها وفراق بيتها.

ويسمى هذا أيضًا صلحًا وذكروه في تفسير قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ النساء: 128 وقرأها بعضهم: ( فلا جناح عليهما أن يصَّالَحا بينهما صلحا).
فهذا الصلح على أنها تبقى عند أولادها ولا حق لها في المبيت فلا يقسم لها، وينفق عليها مع أولادها.
قوله: (وقد وهبت سودة بنت زمعة يومها لعائشة، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقسم لعائشة يومها ويوم سودة):
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تزوج سودة- رضي الله عنها- بمكة بعد وفاة خديجة وكانت قد أسنت، فلما كبرت أراد أن يطلقها، فقالت: لا تطلقني، أحب أن أحشر مع زوجاتك يوم القيامة، وأن أكون لك زوجة فأمسكني ولا حاجه لي في القسم، وقد وهبت ليلتي لعائشة، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقسم لثمانٍ، ويجعل
لعائشة ليلتين ليلة عائشة وليلة سودة، وهذا مما يصطلح عليه، فقد اصطلحت أن تبقى في ذمته، وألا يكون لها حظ في القسم.
انتهى ما يتعلق بالقسم، وابتدأ المؤلف- رحمه الله- في باب آخر يقال له: باب النشوز، يعني: أدمجه المؤلف مع عشرة النساء.