اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
208368 مشاهدة
تعريف القصاص وما يشترط في وجوبه

ويشترط في وجوب القصاص: كون القاتل مكلفًا، والمقتول معصومًا، ومكافئًا للجاني في الإسلام، والرق والحرية، فلا يقتل المسلم بالكافر، ولا الحر بالعبد، وألا يكون والدًا للمقتول، فلا يقتل الأبوان بالولد.
ولا بد من اتفاق الأولياء المكلفين، والأمن من التعدي في الاستيفاء.


قوله: (ويشترط في وجوب القصاص كون القاتل مكلفا):
لما انتهى من الدية انتقل إلى القصاص.
والقصاص هو: أن يقتل القاتل بمن قتله فلا بد أن يكون القاتل مكلفًا، فإذا كان القاتل مجنونًا أو صبيًّا فلا قصاص عليه، وإنما فيه الدية.
قوله: (والمقتول معصوما):
أي: معصوم الدم، فإذا كان المقتول حربيًّا وقتله فلا قصاص، أو قاطع طريق وقتله لقطع طريق، أو زانيًا محصنًا قتله فليس بمعصوم.
قوله: (ومكافئا للجاني في الإسلام، والرق والحرية... إلخ):
لا بد من المكافأة للجاني في الإسلام والرق والحرية، فلا يقتل المسلم
بالكافر؛ لأنه ليس كفئا له، ولو كان ذميًّا ولو كان معاهدًا ولو كان مستأمنًا، فإذا قتل مسلم أحدَ الكفار ففيه الدية والكفارة، وليس فيه قصاص؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث علي: وألا يقتل مسلم بكافر .

وكذلك لا يقتل الحر بالعبد؛ وذلك لأن العبد متقوم ففيه قيمته، فإذا قتل العبد فإن سيده يطالب بالقيمة، لكن يجوز قتل القاتل تعزيرًا وعقوبة.
قوله: (وألا يكون والدا للمقتول... إلخ).
يعني: لا قصاص ولا قتل لوالده الذي قتله ولو عمدًا.
وقد ورد في قصة قتادة المدلجي أنه قتل ولده ولم يرثه ولم يقتله عمر به، وكذلك الأم والجد والجدة لا يقتل كل منهم بولده أو بولد ولده؛ لهذا الحديث ولا يقتل والد بولده .
قوله: (ولا بد من اتفاق الأولياء المكلفين):
فإذا كان أولياء المقتول خمسة رجال وخمس نساء، إحداهن قالت: أنا قد عفوت عن نصيبي لا أريد القصاص؛ سقط القصاص، ولو لم يكن لها إلا سهم من خمسة عشر سهمًا، أو قالت: أنا أريد حقي من الدية؛ سقط القصاص.
أما إذا اتفقوا كلهم رجالهم ونساؤهم على طلب القصاص، فإنه يقتص منه.

قوله: (والأمن من التعدي في الاستيفاء):
فإذا كان القاتل امرأة حاملاً فلا تقتل حتى تضع؛ لأن في قتلها تعديًا على الجنين، والجنين ليس له ذنب فتترك حتى تلد.
وكذلك القصاص في الأطراف كما في قوله تعالى: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ إلخ المائدة: 45 فلو حكم بقطع يده أو أنفه ونحو ذلك وكان في ذلك تعريض له للهلاك وفيه خطر على نفسه فلا تقطع يده أو رجله أو أنفه إلا بعد الأمن من التعدي.