يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
208184 مشاهدة
حد الزنا


وحد الرقيق في الجلد: نصف حد الحر.
فحد الزنا- وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر- إن كان محصنًا- وهو الذي قد تزوج ووطئها، وهما حران مكلفان- فهذا يرجم حتى يموت، وإن كان غير محصن؛ جلد مائة جلدة وغرِّب عن وطنه عامًا.
ولكن بشرط أن يُقِرَّ به أربع مرات، أو يشهد عليه أربعة عدول يصرحون بشهادتهم، قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ النور: 2 .
وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا: خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب: جلد مائة والرجم رواه مسلم .
وآخر الأمرين الاقتصار على رجم المحصن، كما في قصة ماعز والغامدية .


قوله: (وحد الرقيق في الجلد: نصف حد الحر):
حد الحر مائة جلدة في الزنا، قال تعالى: فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ النساء: 25 والرجم لا يتنصف فدل على أنه لا رجم على الزاني الرقيق، والذي يتنصف هو الجلد في قوله: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ النور: 2 .
أولا: حد الزنا
قوله: (فحد الزنا- وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر- إن كان محصنا- وهو الذي ... الخ):
في قبل، يعني: مع المرأة، أو في دبر مع المرأة الأجنبية أو مع رجل والعياذ بالله، وهو اللواط، فعل قوم لوط، وقد جعل العقوبتين واحدة: عقوبة اللواط وعقوبة الزنى، وهذا هو المشهور- يعني: عند الحنابلة- أن عقوبة فاعل فاحشة اللواط مثل الزاني، إن كان محصنًا فإنه يرجم، وإن كان غير محصن فإنه يجلد ويغرب.
والقول الثاني: أن اللوطي يقتل؛ لأنه ورد فيه حديث: اقتلوا الفاعل والمفعول به وروي عن بعض الصحابة: إحراقه، وروي عن بعضهم أنه يلقى من شاهق- من أرفع بناء في البلد- ثم يرجم، تشبيها بعقوبة قوم لوط.

والمحصن: هو الذي قد تزوج زواجًا صحيحًا وقد وطئ امرأته وهما حران مكلفان، فإذا تزوج ولم يدخل بزوجته فلا يصير محصنًا كما إذا لم يتزوج فهو غير محصن، وإذا تزوج ودخل قبل التكليف، أي: قبل البلوغ أو في حالة الجنون؛ فلا يصير محصنًا.
والمحصن إذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، يحفر له حتى يثبت في الأرض، ثم يرجم بالحجارة حتى يتألم جميع جسده، لأنه لما تلذذ باللذة المحرمة عوقب بأن يعمم بدنه بهذا الألم؛ هكذا قالوا.
قوله: (وإن كان غير محصن: جلد مائة جلدة وغرب عن وطنه عامًا):
يقول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ النور: 2 هذا بالنسبة إلى الزنى الذي فيه الجلد، قالوا: هذا خاص بمن لم يحصن، ويكون الجلد والضرب بعصا متوسطة، ويكون على مواقع اللحم كالظهر والإليتين والفخذين، ويتقي المقاتل.
والتغريب أن ينفى عن بلده إلى بلاد بعيدة لا يصل إليه الخبر مدة سنة، ويرى بعضهم أنه إذا خيف فساده فإنه يسجن بدل التغريب.
قوله: (ولكن بشرط أن يقِرَّ به أربع مرات):
أي: يعترف بدون إكراه أنه زنى، أربع مرات فيقام عليه الحد.
قوله: (أو يشهد عليه أربعة عدول يصرحون بشهادتهم... إلخ):
يعني: يشهدون أنهم رأوه يزني بامرأة أجنبية أو يفعل الفاحشة برجل، فإذا

شهدوا بشهادة واضحة فإنه يقام عليه هذا الحد؛ لقوله تعالى: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ النساء: 15 فاشترط أن يكون الشهود أربعة، وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ النور: 4 وقوله تعالى: لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ النور: 13 يعني: في حد القذف، فدل على أن شهود الزنى وحده أربعة.
قوله: (وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا: خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا... إلخ):
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- فقد جعل الله لهن سبيلا إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا النساء: 15 .
هذا الحديث فيه أن البكر يجلد وينفى وأن الثيب يجلد ثم يرجم، ولكن يقول المؤلف: آخر الآمرين الاقتصار على الرجم دون أن يسبقه جلد، كما في قصة ماعز والغامدية، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بجلدهما؛ بل أمر برجم كل واحد منهما حتى مات، ولم يقل: اجلدوه.
وقد رجح بعضهم الجمع بين الجلد والرجم عملاً بهذا الحديث، وبما روي

عن علي-رضي الله عنه- أن امرأة يقال لها: شراحة جلدها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . ولكن الصحيح أنه يكتفى بالرجم فإنه أعظم عقوبة.