جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
208218 مشاهدة
ما يحل ويحرم من الحيوان

* والحيوان قسمان بحري. فيحل كل ما في البحر حيًّا وميتًا، قال تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ المائدة: 96 .
وأما البري: فالأصل فيه الحل، إلا ما نص الشارع، فمنها: ما في حديث ابن عباس: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام .
ونهى عن كل ذي مخلب من الطير. رواه مسلم .
ونهى عن لحوم الحمر الأهلية متفق عليه .


قوله: (والحيوان قسمات. بحري، فيحل كل ما في البحر حيًّا وميتًا، قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ إلخ):
البحري هو: دواب البحر، يقول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ المائدة: 96 فصيده: ما يصاد منه بشبكة أو نحوها، وطعامه: ما يقذفه على

الساحل من الدواب، وأخذوا من هذه الآية أن جميع ما في البحر حلال.
وذهب بعضهم: إلى أنه إذا كان شبيها بالبري المحرم فإنه يحرم، فقالوا:
تحرم حية البحر، ويحرم كلب البحر، ويحرم خنزير البحر، وما أشبه ذلك، والأقرب: أنها كلها حلال، وذلك لأنها لا تتغذى إلا على طاهر غالبًا، إما أنها تتغذى على ميتات البحر وإما على نباتاته أو نحو ذلك؛ فهذا ظاهر الآية أن كل صيد البحر حلال، والأولى بالإنسان أن يتجنب ما فيه خلاف ككلب البحر والتمساح ونحوهما.
قوله: (وأما البري: فالأصل فيه الحل، إلا ما نص الشارع. فمنها: ما في حديث ... الخ):
قد أباح الله تعالى لنا الأنعام، فقال: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ المائدة: 1 فيدخل في بهيمة الأنعام كل الدواب التي يملكها الإنسان وينتفع بها إلا ما استثني من ذلك كالحمر الأهلية، فقد ورد الشرع بتحريمها مع أنها من جملة ما ينتفع بها الإنسان، واختلف في الخيل فحرمها الحنفية وأباحها الجمهور، وأما الإبل والبقر والغنم فلا خلاف في حلها:
وأما غيرها من الدواب فورد تحريم كل ذي ناب من السباع؛ فيدخل في ذلك

الكلب لأن له نابًا، ويدخل في ذلك الذئاب والفهود والنمور والأسود وما أشبهها، واختلف في الضبع، فذهب الإمام أحمد إلى أنها حلال؛ لأنه ورد النص بإباحتها، وذهب الشافعية إلى أنها حرام وقالوا: إنها ذات أنياب- وإن لم تكن تعدو- لكنها تفترس وتأكل الجيف، وكأن الأقرب أنها لا تباح إلا عند الضرورة؛ لأن الأحاديث التي وردت محمولة على وقت الحاجة، أما بقية ذوات الأنياب فإنها حرام: كالقط والثعلب والنمس وابن آوى وما أشبهها فهذه دواب تفترس، حتى هذا القط يفترس الطيور كالدجاج والحمام فهو من ذوات الأنياب.
وكذلك ما له مخلب من الطير، فكل طير له مخلب يحمل طعامه به فإنه حرام، ويدخل في ذلك النسر والغراب والعقاب والصقر والبازي والشاهين وما أشبهها، وكالصرد الذي ذكر في الحديث وهو أصغر من الحمام أحمر له مخلب.
كذلك من المحرمات ما أمر بقتله، كما تقدم في الحج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خمس دواب يقتلن في الحل والحرم- فهذه أمر بقتلها فهي حرام- الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ومنها أيضا: الحية فإنه مأمور بقتلها؛ لأنها من ذوات السموم.