الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
تفسير سورة الكهف
27825 مشاهدة
فضل سورة الكهف وسبب نزولها

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اختير في هذا الوقت ذِكْرُ أو قراءة تفسير هذه السورة التي سمعنا في هذه الصلاة، وهي: سورة الكهف أن نقرأ من تفسيرها ما نعمر به هذه الأوقات.
وقد ورد في فضل هذه السورة فضائل وأحاديث كثيرة؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما فيه ضعف، فورد في فضل قراءة عشر آيات من أولها أن ذلك نجاة من الدجال، أو من الفتن، أو أن ذلك نجاة من العذاب؛ من أولها عشر، ومن آخرها كذلك.
وكذلك ورد في فضل قراءتها في يوم الجمعة حديث مشهور- ولو كان فيه مقال- وأن من قرأها كان له، أو سطع له نور إلى السماء، ولا شك أن هذا دليل على فضل قراءتها، وعلى فضل تعلمها، وقد اشتهر أن هذه السورة اختصت بخصائص لم توجد في غيرها من السور.
ذكر الله تعالى فيها أربع قصص ما وجدت في غيرها:
الأولى: قصة أصحاب الكهف.
والثانية: قصة صاحب الجنتين مع صاحبه.
والثالثة: قصة موسى مع الخضر
والرابعة: قصة ذي القرنين
وذُكِرَ في سبب نزول القصتين؛ الأولى والأخيرة: أن قريشا لما اشتهر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وادعى عندهم أنه نبي تحيروا في أمره، فقالوا: نحب أن نسأل أهل الكتاب عن أمره؛ هل هو صادق، أم لا؟ فأرسلوا رسلاً إلى أهل المدينة إلى من بالمدينة من أهل الكتاب من اليهود، وقالوا: سلوهم عن محمد أهو صادق أم غير صادق؟ فجاءوا إليهم فعند ذلك سألوهم عن شأنه، وأنه يدعي أنه نبي، وأنه يوحى إليه؛ فعند ذلك قال لهم اليهود: سلوه عن ثلاث مسائل: سلوه عن فرقة في قديم الزمان، أو طائفة خرجوا من بلادهم؛ فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف طاف بالمشرق والمغرب، وسلوه عن الروح، ثم لما جاء ذلك الوفد، وأخبروا قومهم قالوا: إن هذا هو الفاصل بيننا وبين محمد وبه نعرف أنه صادق أو كاذب؛ لأن اليهود قالوا لهم: إن أخبركم بذلك فهو نبي، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول، فلما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وألقوا عليه هذه الأسئلة.
قال: سأخبركم عنهن غدا، ولم يقل: إن شاء الله؛ فتأخر عنه الوحي لمدة خمسة عشر يوما بشأن هذه المسائل، فقال المشركون: وَعَدَنَا محمد أن يخبرنا غدا، واليوم قد مضى خمسة عشر يوما، فما هو إلا رجل مُتَقَوِّل.
نزل بعد ذلك أول هذه السورة وآخرها، ونزلت آية في سورة الإسراء، فنزلت قصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين فأصحاب الكهف هم الفئة أو الطائفة الذين خرجوا من بلادهم، وكان لهم حديث عجيب، وذو القرنين أيضا: كان له حديث عجيب.
والسؤال الثاني عن الروح، نزل قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فكان في هذا جواب لتلك المسائل، ولكن لما لم يُجِبْهُمْ في حِينِهِ لم يتقبلوا منه. قد عاتبه الله تعالى على وَعْدِهِ لهم بدون استثناء، فقال تعالى في هذه السورة: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وهذا تعليم للأمة؛ أن كل من وعد وعدا مستقبلا فعليه تعليق هذا بمشيئة الله، فلا تقل: سوف آتيك غدا، أو سوف أفعل، أو أكتسب بعد غد، أو في هذا اليوم، أو في الأيام التي بعده إلا بعد أن تعلق ذلك بمشيئة الله، فتقول: إن شاء الله آتيك بكذا، إن شاء الله أعطيك كذا، وكذا، إن شاء الله سوف أذهب إلى كذا، وكذا، أو تقول: لا أفعل كذا إلا أن يشاء الله، وما أشبه ذلك؛ فإن الأمور كلها متعلقة بمشيئة الله ؛ ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن. نحب أن نقتصر على ذكر القصص الأربع. أي: في كل يوم من هذه الأيام نذكر قصة من هذه القصص؛ التي اشتملت عليها هذه السورة.
في هذا اليوم قصة أصحاب الكهف، وفي اليوم الذي بعده قصة صاحب الجنتين، وفي اليوم الذي بعده قصة موسى مع الخضر وفي اليوم الذي بعده قصة ذي القرنين ونذكر ما فيها من العبر على وجه الاختصار؛ لئلا يطول بنا المقام.
ومن أراد أن يتزود يرجع إلى كتب التفسير، وأحسنها كتاب تفسير ابن كثير وقد أكثر المفسرون من ذكر هذه القصص؛ في ذكرها من الإسرائيليات، والنقول الطويلة التي العمدة فيها كتب بني إسرائيل والتي يكثر، أو يغلب عليها أنها محرفة. فسرد القصة ابن جرير مطولة، وسردها أيضا البغوي وكذلك هناك من سرد قصص القرآن كالثعلبي في كتابه الذي سماه: (عرائس المجالس في قصص الأنبياء)، وكذلك قد يذكرها بعض المؤلفين؛ استطرادا. كما ذكرها صاحب حياة الحيوان الدميري لما تكلم على الكلب، بمناسبة قوله: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ وحيث إن أغلب تلك القصص ليس لها إسناد إلا راجع إلى الكتب القديمة من كتب بني إسرائيل ؛ فإننا نقتصر على ذكر ما يؤخذ من هذه القصة، وأما سردها فإنه واضح في القرآن.