إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
تفسير سورة الكهف
41514 مشاهدة print word pdf
line-top
التقاء موسى بالعبد الصالح الخضر

يقول الله تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا هذا العبد هو: الخضر كما ذكر في الأحاديث أنه الخضر وصفه الله تعالى بالعبودية بأنه عبد، أي: ليس خارجا من العبودية؛ وذلك لأن الخلق والبشر كلهم عبيد الله ومن جملتهم الأنبياء، وقد ذكر في الحديث أن الله قال: لموسى إن عبدا من عبيدي بمجمع البحرين وإنه أعلم منك، فهو عبد من عبيد الله تعالى، ولا شك أن العبودية لله تعتبر فضلا وشرفا، ورفعة؛ ولهذا الأنبياء عبيد الله ذكرهم الله تعالى بالعبودية، فقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وصفهم بالعبودية؛ لأن العبودية لله تعالى شرف وفضل ورفعة لمن كان عبدا لله تعالى، والعبودية على قسمين: عبودية الملك، وعبودية التعبد، الذي هو التذلل. وعبودية الملك عامة للخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم؛ فإنهم جميعا عبيد لله؛ يعني: مملوكون له، قال الله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ أي: جميع الخلق، وقال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ؛ فهذه عبودية عامة كل الخلق مؤمنهم وكافرهم عبيد لله؛ يعني: مملوكون له يتصرف فيهم، كما يتصرف مالك العبيد في عبيده؛ فهو يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويصل من يشاء، ويقطع من يشاء، فيتصرف فيهم تصرف المالك في ملكه، وأما العبودية الخاصة: التي هي فضيلة وشرف، والتي يوصف بها الأنبياء، والصالحون من عباد الله؛ فإنها عبودية التعبد والتذلل، وإظهار الاستضعاف للرب -سبحانه وتعالى- وهذه هي العبودية الشريفة، والتي وصف بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن في عدة مواضع: في مثل قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا أي: محمداً - صلى الله عليه وسلم - وصفه الله في هذا المقام مقام التحدي بأنه عبد، وكذلك في مقام الإسراء في قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ وصفه بالعبودية؛ لأن هذا مقام شرف وتفضيل له، وكذلك وصفه في مقام الدعوة في قول الله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ .
هكذا وصفه، كما وصف عيسى .، وصف نفسه بأنه عبد لله تعالى فهذه العبودية عبودية شرف، وقال تعالى عن عيسى لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ المسيح لا يستنكف. يعني: لا يتكبر، ولا يعجب بنفسه، ولا يترفع عن العبودية لله تعالى، وكذلك قال: وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ أي: الملائكة أيضا: لا يتكبرون عن التعبد والتذلل لله تعالى، كما وصفهم بالعبودية في قوله: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَهَذِهِ الْعُبُودِيَّةُ هِيَ الَّتِي يُثَاب أهلها لأنهم تعبدوا لله؛ يعني: عبدوه، وتذللوا له، وتواضعوا له، وهي التي يرفع الله أهلها درجات في الآخرة، ويمدحهم، مدحهم بقوله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا إلى آخر السورة ابتدأها بوصفهم بالعبودية، ومدحهم أيضا بذكر ثوابه في الآخرة، في قوله تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ وهؤلاء العباد هم أهل الشرف، وأهل الفضل، فعبودية الخضر وكذلك غيره من الأنبياء من جنس هذه العبودية، أي: عبودية التعبد لله تعالى، وكثير من المماليك يفتخرون إذا كان سيد أحدهم شريفا وذا فضل، وكذلك أيضا العبد المسلم يفتخر بالعبودية لربه، إذا قيل هذا ..

line-bottom