تفسير سورة الكهف
غرور صاحب الجنتين وعدم إيمانه بالبعث
قال الله تعالى: رسم> وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قرآن> رسم> أي: دخل إحدى الجنتين، أو دخل كلتا الجنتين اللتين رسم> آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا قرآن> رسم> كل واحدة من الجنتين آتت أكلها. يعني: ثمرها، رسم> وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا قرآن> رسم> أي: لم تُخْفِ شيئا من ثمارها، بل أينعت ثمارها، فدخلها وهي ذات ثمار، وذات أشجار وأنهار وأزهار؛ فعند ذلك: افتخر،
وقال: رسم> مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا قرآن> رسم> ظنه هذا ظن خاطئ؛ وذلك لأنه نسي قدرة ربه؛ الذي أعطاه، والذي مكنه، نسي أن الذي أعطاه قادر على أن يسلبه ما أتاه، نسي أن هذا ابتلاء وامتحان، نسي أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب رأس> ؛ فكان آثار هذا النسيان أن افتخر بما آتاه الله، وقال: رسم> مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا قرآن> رسم> يعني: أن تفنى وتضمحل.
ثم جاء بطامة أخرى بقوله: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً قرآن> رسم> إنكار للدار الآخر؛ إنكار لقيام الساعة؛ إنكار للبعث بعد الموت، وكأنه يدعي أنه يخلد في جنته وفي بستانه، وأنها تبقى له دائما مزهرة لا تتغير، وأنه لو بعث لحصل على خير منها.
فلذلك قال: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً قرآن> رسم> إنكار قيام الساعة كفر رأس> ؛ من كَذَّبَ بها فقد كفر؛ وذلك لأن الله تعالى أخبر بقيام الساعة، وخبر الله خبر يقيني، فأقسم عليها في ثلاثة مواضع في قوله تعالى: رسم> وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ قرآن> رسم> أقسم بأن ما أخبرهم به فإنه حق، أمره بأن يحلف بربه.
وكذلك قال تعالى في موضع آخر: رسم> وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ قرآن> رسم> أقسم، أو أمره بأن يحلف بربه أنها سوف تأتيه هذه الساعة. يعني: قيام الساعة، الذي نفاها هذا الرجل بقوله: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً قرآن> رسم> .
كذلك قال الله تعالى: رسم> زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قرآن> رسم> ففي هذه المواضع أقسم الله بأن الساعة قائمة، وهذا الرجل يقول: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً قرآن> رسم> أنكر قيامها، والمراد بقيام الساعة أن يبعث من في القبور، أن يبعث الله الأموات، ويعيد إليهم الحياة، ويحقق لهم ما وعدهم من الثواب على الحسنات، ومن العقاب على السيئات؛ فالذين ينكرون قيام الساعة يكذبون خبر الله تعالى. ومن كذب بالبعث كفر رأس> ويقول: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً قرآن> رسم> .
ثم قال: رسم> وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا قرآن> رسم> كأنه يقول: لو قُدِّرَ أنني بعثت، ورجعت إلى ربي؛ ليعطيني خيرا منها، وكأنه يدعي أن من أعطي في الدنيا فإنه يعطى في الآخرة. ولا شك أن هذا من الخطأ الواضح؛ فليس كل من أعطاه في الدنيا يكون دليلا على كرامته رأس> بل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من أحب. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الدنيا تافهة وما عليها؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم- رسم> لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء متن_ح> رسم> .
لكنهـا واللـه أحقـر عنـده | من ذا الجنـاح القاصـر الطـيران |
أخبر بأنه لولا أن الناس يكونون كلهم كفار، يخرجون من الملة؛ لمتعنا أهل الدنيا بمتاعها، وجعل لبيوتهم سقفا. أي: سقفها التي هي الصبات التي فوقها من فضة لجعلنا رسم> لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ قرآن> رسم> أي: سقف البيت هو أعلاه؛ أن تكون كلها من فضة ومعارج. أي: درجا من فضة أيضا: رسم> عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ قرآن> رسم> رسم> وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا قرآن> رسم> أي: من فضة، رسم> وَسُرُرًا قرآن> رسم> السرر: جمع سرير، وهو الذي ينام عليه، أو يجلس عليه. رسم> عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا قرآن> رسم> أي: ذهبا لولا أن الناس يكونون أمة على طريقة واحدة؛ لجعل الله للكفار هذه الأشياء، ثم قال تعالى: رسم> وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قرآن> رسم> أي هذا كله متاع الدنيا: متاع غرور.
يعني: كما قال تعالى: رسم> وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ قرآن> رسم> هكذا أخبر بأنه لا حَظَّ لهم في الآخرة، إنما الحظ في الآخرة للمتقين رسم> وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ قرآن> رسم> .
فهكذا هذا الرجل الذي يقول: رسم> وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا قرآن> رسم> أي: ليعطيني خيرا من هذه الجنة؛ فإنه يدعي أن هذا حظه، أنه ذو حظ عظيم؛ لما أعطي هذه الجنة، لما أعطي هذا المتاع وهذه الزينة وهذه الزهرة ظن أن ذلك دليل كرامته؛ فقال: رسم> وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ قرآن> رسم> يعني: عند ربي خيرا من هذه الجنة منقلبا.
مسألة>