الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
تفسير سورة الكهف
41496 مشاهدة print word pdf
line-top
غرور صاحب الجنتين وعدم إيمانه بالبعث

قال الله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ أي: دخل إحدى الجنتين، أو دخل كلتا الجنتين اللتين آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا كل واحدة من الجنتين آتت أكلها. يعني: ثمرها، وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا أي: لم تُخْفِ شيئا من ثمارها، بل أينعت ثمارها، فدخلها وهي ذات ثمار، وذات أشجار وأنهار وأزهار؛ فعند ذلك: افتخر،
وقال: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ظنه هذا ظن خاطئ؛ وذلك لأنه نسي قدرة ربه؛ الذي أعطاه، والذي مكنه، نسي أن الذي أعطاه قادر على أن يسلبه ما أتاه، نسي أن هذا ابتلاء وامتحان، نسي أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب ؛ فكان آثار هذا النسيان أن افتخر بما آتاه الله، وقال: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا يعني: أن تفنى وتضمحل.
ثم جاء بطامة أخرى بقوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً إنكار للدار الآخر؛ إنكار لقيام الساعة؛ إنكار للبعث بعد الموت، وكأنه يدعي أنه يخلد في جنته وفي بستانه، وأنها تبقى له دائما مزهرة لا تتغير، وأنه لو بعث لحصل على خير منها.
فلذلك قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً إنكار قيام الساعة كفر ؛ من كَذَّبَ بها فقد كفر؛ وذلك لأن الله تعالى أخبر بقيام الساعة، وخبر الله خبر يقيني، فأقسم عليها في ثلاثة مواضع في قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أقسم بأن ما أخبرهم به فإنه حق، أمره بأن يحلف بربه.
وكذلك قال تعالى في موضع آخر: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ أقسم، أو أمره بأن يحلف بربه أنها سوف تأتيه هذه الساعة. يعني: قيام الساعة، الذي نفاها هذا الرجل بقوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً .
كذلك قال الله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ففي هذه المواضع أقسم الله بأن الساعة قائمة، وهذا الرجل يقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً أنكر قيامها، والمراد بقيام الساعة أن يبعث من في القبور، أن يبعث الله الأموات، ويعيد إليهم الحياة، ويحقق لهم ما وعدهم من الثواب على الحسنات، ومن العقاب على السيئات؛ فالذين ينكرون قيام الساعة يكذبون خبر الله تعالى. ومن كذب بالبعث كفر ويقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً .
ثم قال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا كأنه يقول: لو قُدِّرَ أنني بعثت، ورجعت إلى ربي؛ ليعطيني خيرا منها، وكأنه يدعي أن من أعطي في الدنيا فإنه يعطى في الآخرة. ولا شك أن هذا من الخطأ الواضح؛ فليس كل من أعطاه في الدنيا يكون دليلا على كرامته بل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من أحب. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الدنيا تافهة وما عليها؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم- لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .
لكنهـا واللـه أحقـر عنـده
من ذا الجنـاح القاصـر الطـيران
أي: هذه الدنيا من أولها إلى آخرها حقيرة مهينة عند الله، أحقر عند الله من جناح بعوضة. لا تعدل ولا تساوي جناح بعوضة. ما فائدة الجناح، وما ثمنه، وهل له قيمة؟ لو كانت الدنيا تعدل -تساوي- جناح بعوضة ما أعطى منها الكفار؛ وذلك لأن الكفار كفروا بنعمة الله، وجحدوا ربوبيته وألوهيته؛ فكان جزاؤهم أن يحرموا من لذة الدنيا، ولكن الدنيا حقيرة فقيرة، ورد ما يدل على أنها حقيرة عند الله. قال الله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ .
أخبر بأنه لولا أن الناس يكونون كلهم كفار، يخرجون من الملة؛ لمتعنا أهل الدنيا بمتاعها، وجعل لبيوتهم سقفا. أي: سقفها التي هي الصبات التي فوقها من فضة لجعلنا لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ أي: سقف البيت هو أعلاه؛ أن تكون كلها من فضة ومعارج. أي: درجا من فضة أيضا: عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا أي: من فضة، وَسُرُرًا السرر: جمع سرير، وهو الذي ينام عليه، أو يجلس عليه. عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا أي: ذهبا لولا أن الناس يكونون أمة على طريقة واحدة؛ لجعل الله للكفار هذه الأشياء، ثم قال تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي هذا كله متاع الدنيا: متاع غرور.
يعني: كما قال تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ هكذا أخبر بأنه لا حَظَّ لهم في الآخرة، إنما الحظ في الآخرة للمتقين وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ .
فهكذا هذا الرجل الذي يقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا أي: ليعطيني خيرا من هذه الجنة؛ فإنه يدعي أن هذا حظه، أنه ذو حظ عظيم؛ لما أعطي هذه الجنة، لما أعطي هذا المتاع وهذه الزينة وهذه الزهرة ظن أن ذلك دليل كرامته؛ فقال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ يعني: عند ربي خيرا من هذه الجنة منقلبا.

line-bottom