الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
تفسير سورة الكهف
31854 مشاهدة
مثل الحياة الدنيا وسرعة زوالها

بعد ذلك ضرب الله تعالى مثلا بالدنيا لما ذكر قصة هذا الرجل الذي غرس هذا البستان وأثمر، ثم أصيب بما أصيب به بين عشية وضحاها، أصبح هشيما تذروه الرياح، أصبح كأنه لا شيء، أصبحت جنته صعيدا زلقا، قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ يعني: ما حصل لهذا الرجل، وما حصل لغيره، فاضرب لهم مثلا لهذه الحياة الدنيا؛ أي أن مثلها كمثل الماء الذي ينزل على الأرض اليابسة إذا نزل عليها الماء، ثم اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، أنبتت النباتات، ثم بعد مدة قليلة جفت تلك النباتات، وأصبحت هشيما تذروه الرياح، ليس فيها شيء، وليس فيها أثر لتلك النباتات.
كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ يعني: ماء غدقا ينزله الله تعالى من السماء؛ فتنبت الأرض نباتها، فإذا أنبتت نباتها، وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا جاءها أمر الله تعالى فيبست، وتكسر ذلك النبات، وأصبح هشيما تذروه وتسفوه الرياح لا يبقى له أثر، فهكذا مثل هذه الحياة الدنيا بما فيه هذه القصة التي قصها الله تعالى.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا أي: قادرا على كل شيء.
ثم أخبر بأن الناس يفتخرون بما أعطاهم الله: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: زينة عاجلة في الحياة الدنيا.