إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
تفسير سورة الكهف
46446 مشاهدة print word pdf
line-top
اصطحاب موسى ليوشع بن نون معه في رحلته

فعند ذلك طلب من فتاه وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ذكر أن فتاه: هو يوشع بن نون وقيل: إنه غيره؛ وذلك لأن يوشع بن نون كان من جملة من أوحي إليه، أو من جملة من شرف بالعلم، فهو من أهل العلم، ومن أهل المكانة، ومن أهل الشرف، ولكن لا مانع من أن يصحب موسى ؛ ليتزود من العلم من علم موسى ومن علم الخضر كما يتزود موسى وإذا كان غيره، فيكون غلاما لموسى ولذلك سماه الله فتى، والفتى: هو الشاب، أي: الشاب الذي يخدمه لِفَتَاهُ أي: لغلامه الذي لا يزال في سن الشباب.
فلما عزم على أن يسافر، قال: لَا أَبْرَحُ أي: لا أبرح أسير.
حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ وكأن مجمع البحرين موضع محدد معروف عندهم، وجهته محددة.
ثم قال: أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا يعني: أو أسير على قدمي، أو أسير على هذه الراحلة حُقُبًا يعني: دهرا طويلا، وفسر الحقب: بأنه مائة عام، وقيل: ثمانون عاما، والصحيح: أنه دهر طويل، قد حدده بعضهم: بأنه ألف سنة، وقد ذكر جمعه في سورة عم في قوله في أهل النار: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا أي: جمع حقب. فعزم على أن يسير ولو سار حقبا، حتى يصل إلى ذلك المكان، فسار هو وغلامه. قيل: إنهما ركبا حمارا، وقيل: ركبا جملا، وقيل: كانا راجلين، وقيل: إن هذا الحوت يتزودان منه، يأكلان منه لحما طريا، وقيل: يتزودان من غيره، وإنما جعل الحوت الذي يحملانه آية لانتهاء سيرهما.

line-bottom