الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
تفسير سورة الكهف
31866 مشاهدة
الرد على القبوريين المستدلين بقصة أصحاب الكهف

وقد سمعنا من بعض القبوريين يستدلون بهذه الآية على جواز بناء المساجد على القبور، أو على جواز دفن الأموات في المساجد، فيقولون: إن الله تعالى ذكر أنهم قالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ؛ فإذًا يجوز أن نتخذ مسجدا على القبور! بأن نبني على القبور مسجدا! أو ندفن الأموات في داخل المساجد! أو ما أشبه ذلك؛ احتجاجا بهذه الآية.
ونحن نقول في الجواب عن ذلك: إن الآية صريحة في أن هؤلاء مشركون، وأن هذه عادة المشركين أنهم يبنون على الأموات مساجد ؛ يتبركون بهم، والدليل على أنهم مشركون ما ذكر في هذه القصة:
فأولا: في أول القصة قالوا: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ؛ فذلك دليل على أن لهم آلهة من دون الله، يعني: غير الله، وإذا كان كذلك دل على أنهم مشركون.
والدليل الثاني: قوله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ حكى الله عنهم: أنهم اعتزلوا معبوداتهم إلا الله، وهذا دليل على أنهم يعبدون الله، ويعبدون غيره، وأن أولئك الفتية اعتزلوهم، واعتزلوا معبوداتهم، وتمسكوا بعبادة الله تعالى.
كذلك أيضا ذكر الله عنهم أنهم قالوا: وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وهو دليل على أنهم قد عَادَوْا أهل التوحيد، وأنهم لو اطلعوا عليهم لرجموهم ولقتلوهم، وذلك دليل على أنهم مخالفون لهم، مخالفون لهؤلاء الفتية؛ الذين وحدوا الله وقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لن نشرك به، ولن ندعو معه غيره، فقالوا: إذا اطلعوا عليكم رجموكم، أو أعادوكم في ملتهم، أكرهوكم إلى أن تكونوا منهم، وتكونوا مثلهم؛ تشركون بالله، كما كانوا يشركون؛ فهذه أدلة واضحة على أن قومهم مشركون.
ولكن في هذه القصة عبرة لهم، ولذلك قال: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا يعني: يتحققوا حقا يقينا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ما وعده من أنه سيحييهم بعد موتهم، وما وعد من أن الساعة آتية؛ ليتحققوا، ولكن هل مع رؤيتهم، وتحققهم انتفعوا بذلك أم لا؟ لم ينتفعوا بل بقوا على شركهم، وبقوا على كفرهم، وكان من شركهم أن بنوا مسجدا على قبور هؤلاء الصالحين؛ يتبركون به، ويصلون فيه، ويدعون هؤلاء الأموات مع الله تعالى.
فكل مـن دعـا معـه أحـدا
أشـرك باللـه ولـو محمـدا
فهذه يعني: نقول: إن الذين يبنون المساجد على القبور، أو يدفنون الأموات في المساجد قدوتهم هؤلاء المشركون؛ الذين هم أقوام أصحاب الكهف، فليس فيها دليل على أنهم مؤمنون بل قال الله: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ تدل على أنهم الأكثرون، أنهم فيهم الأكثرية، أنهم أكثر من غيرهم؛ غلبوا على أمرهم وتغلبوا ونفذوا ما قالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا .