تفسير سورة الكهف
تذكير العبد المؤمن لصاحب الجنتين
رسم> أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا قرآن> رسم> يعني: اعترف بفضل الله عليه، رسم> لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي قرآن> رسم> يعني: اعترف صاحبه بأن الله هو ربه، أن الذي خَوَّلَهُ وخلقه، وسوى خلقه هو الرب. والرب هو المربي، أي: هو الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمته، أي: هو المالك المتصرف في خلقه، الرب هو المالك. رسم> هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا قرآن> رسم> دليل على أن صاحب الجنتين قد أشرك. فهذا الذي نصحه، يقول: إني أعترف بربوبية الله، وأعترف بفضله علي، وبتربيته لي، وأوحده، وأخلص له العبادة، ولا أشرك به في عبادته أحدا، هكذا اعترف، رسم> وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا قرآن> رسم> .
يقول: رسم> وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قرآن> رسم> لماذا لما دخلت جنتك لم تُبَرِّكْ فيها، لماذا لم تقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله؟ كان الأولى بك أن تعترف بأنها من فضل الله، فتقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. أي: هذا ما شاءه الله، وهذا مشيئة الله التي سخرها، والتي أعطانيها. هذه نعمة الله علي، حيث خَوَّلَنِي ما خَوَّلَنِي، وأعطاني ما أعطاني.
تعترف بفضل الله عليك، وتقول: ما شاء الله، وتقول: لا قوة إلا بالله، أي: لا قوة لي على أمر من الأمور إلا بالله. لا حول لي ولا قوة لي إلا بالله تعالى. هذه الكلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ مما يدفع الله تعالى بها البلاء.
إذا رأى الإنسان ما يعجبه فإنه يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله رأس> أي: هذا ما شاءه الله، وهذا فضل الله تعالى علينا، فليس لنا قوة، وليس لنا قدرة، وليس لنا استطاعة إلا ما أعطانا الله، وما خولنا، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. من قال ذلك -بإذن الله- فإن الله يبارك له فيما أعطاه، وفيما خوله؛ يضع فيه البركة، ولو كان شيئا قليلا.
فالمشاهد أن الكثير من الناس الذين أنعم الله عليهم، ووسع عليهم في الدنيا لما أنهم أشروا، وبطروا لم يبارك لهم فيما أوتوه، ولم ينتفعوا به انتفاعا حقيقيا. وأن هناك آخرين أعطوا نصيبا من الدنيا، ولكنه قليل وقليل بالنسبة إلى ما أعطيه الآخرون؛ فقنعوا بما أعطاهم الله، وبارك الله تعالى لهم لما أنهم قنعوا بذلك.
ورد في الحديث: رسم> قد أفلح من رزق كفافا، وقَنَّعَهُ الله بما أعطاه متن_ح> رسم> الكفاف هو: الكفاية، وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: رسم> اللهم اجعل رزق آل محمد اسم> كفافا متن_ح> رسم> أي: بقدر كفايتهم؛ فهذا أثر بركة الله؛ أن من اعترف بفضل الله فإنه يبارك الله له رأس> فهذا لما قال له: رسم> لَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قرآن> رسم> لبورك لك فيها.
رسم> إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا قرآن> رسم> اعترف بأنه أقل مالا؛ كأنه فقير لا يملك إلا بقدر القوت، أو بقدر الكفاية، وأقل أولادا أيضا. فالأول له أولاد كثير يساعدونه، ويشتغلون معه، والثاني المؤمن أقل منه رسم> إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا قرآن> رسم> .
ثم يقول: رسم> فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ قرآن> رسم> أي: أفضل من جنتك، أن يعطيني أفضل منها، وهو لا يريد إعطاء الدنيا، وإنما يريد إعطاء الآخرة؛ فإن الآخرة خير وأبقى، كما أخبر الله في قوله: رسم> بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى قرآن> رسم> فيقول: إن ربي سوف يعطيني، قالوا: إن (عسى) في كلام الله واجب، عسى من الله واجب. رسم> فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ قرآن> رسم> أي: أفضل منها، وذلك جنة الآخرة. جنة الدنيا هي الفرح بفضل الله تعالى، وكذلك الاغتباط بالأعمال الصالحة.
... والاغتباط بعطائه، والأنس بروحه وبفضله، والأنس بذكره، وبشكره على ما أعطى العبد، أن هذا حقا خير من متاع الدنيا، الذي هو متاع الغرور.
مسألة>