إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
تفسير سورة الكهف
46267 مشاهدة print word pdf
line-top
اعتزال أصحاب الكهف لأفعال قومهم

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أي: واعتزلتم معبوداتهم كلها إلا الله.
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يمكن أن هذه المقالة قالوها قبل أن يدخلوا في الكهف. أي: في حالة ذهابهم من بلادهم متوجهين خارجين من البلاد، فذكَّروا بعضهم؛ اذكروا إذ اعتزلتم قومكم، واعتزلتم معبوداتهم كلها، ولم يبق معبود لكم إلا الله فادخلوا في هذا الكهف.
يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ينشر لكم: يعطيكم رحمة منه؛ رحمة هداية، ورحمة رزق، ورحمة حماية، ورحمة نصرة، وحصل ذلك لهم.
وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا يهيئ لكم أمرا ترتفقون به، وتكونون سالمين من الأذى من الأقوام ونحوهم؛ رفقا من الله تعالى بكم. ذكر الله تعالى هذه المقالة، وأنهم دخلوا في الكهف، وأنهم لما وضعوا رءوسهم أماتهم الله، وقبض أرواحهم، وبقوا بعد ذلك في هذا الكهف سالمة أبدانهم لم تَبْلَ، ولم تأكلها الأرض طيلة هذه المدة.
ثم ذكر الشمس أنها لا تطلع عليهم. يعني: فتحرقهم بِحَرِّها، يقول تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فإذا طلعت كأنها تذهب عنهم في جهة اليمين، ولا يأتيهم شيء منها؛ ولكن لما كان في دخول الشمس المكان، ذكر أنها إذا غربت تقرضهم. أي: تطلع عليهم، أو يظهر عليهم شعاعها. ذات الشمال، وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ هكذا ذكر الله.

line-bottom