اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
تفسير سورة الكهف
38683 مشاهدة print word pdf
line-top
فوائد من قصة أصحاب الكهف

كذلك أيضا فيه دليل على أن معرفة الحق والاهتداء به ليس بطول التجربة، ولا بطول الأعمار؛ وذلك لأن قومهم قد يكون فيهم شيوخ، قد يكون فيهم مُسِنُّون، وكبار الأسنان، ومع ذلك لم يهتدوا، وكانت الهداية لهؤلاء الفتية وهم جمع فتى، الفتية: هم الذين في مستقبل أعمارهم. أي: ما فوق العشر إلى ما قريب الثلاثين من أعمارهم، يقال لهم: فتية، كما ذكر الله أن إبراهيم فتى في أول أمره، بقولهم: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ فالفتى مشتق من الفتوة، التي هي النشاط والقوة. هؤلاء فتية أي: شباب في أول أعمارهم.
ففيها دليل أيضا على أن الشرك فاشٍ في كثير من الأمم، وأنه متمكن من كثير من الدول؛ فإنهم اعترفوا بأن قومهم مُشْرِكُون، يعبدون مع الله آلهة أخرى، ولكن الله تعالى يهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء ؛ فقومهم مشركون باقون على شركهم، إما شركا وراثيا توارثوه من آبائهم، وإما شركا متجددا تجدد لهم أن أشركوا.
فيها دليل أيضا على عناية الله تعالى بأوليائه ؛ فهؤلاء من أولياء الله الصالحين؛ حيث إنهم لما آمنوا إيمانا صحيحا تولى الله تعالى حفظهم، تولى الله حراستهم؛ فحرسهم وحفظهم من أن يأتي عليهم شيء من البلاء، وكذلك حفظهم من أن يطلع عليهم أحد طوال هذه المدة، وأخفى أخبارهم، ولم يَعلم بهم أقوامهم، ولم يدروا أين ذهبوا؛ أهلوهم، وآباؤهم، وإخوتهم، لم يعلموا بهم مع أنهم في الإمكان أنه قريب، يمكن أنهم في ذلك الكهف، قريب منهم، ولكن طمس الله على الأعين، فلم يَرَهُمْ أحد؛ وذلك آية من آيات الله تعالى.
كذلك أيضا آية أخرى، وكرامة لهم؛ حيث بقيت أبدانهم طوال هذه المدة، وحيث إن الله يرسل عليهم من يقلبهم، أو يأمر بهم فتتقلب أبدانهم جنبا إلى جنب، يعني: ينقلب أحدهم على جنبه الأيمن مدة، ثم يقلبه الله، آية ومعجزة عجيبة من أمرهم؛ حتى لا تتآكل أيضا أبدانهم.
كذلك أيضا فيه دليل على أن صحبة أهل الخير تكسب خيرا ؛ فهذا كلب من الكلاب النجسة؛ معروف نجاسة الكلب، لما أنه صحب أهل الخير بقي ذكره في القرآن ذكرا محمودا. ذكره الله تعالى في قوله: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ أضافه الله تعالى إليهم وهذه الإضافة تقتضي فضلا، وتقتضي شرفا، ولا حاجة إلى معرفة اسم ذلك الكلب، ولا اسم أفرادهم إلا أنه كلب من الكلاب؛ الذي سخره الله تعالى، وسار معهم، ومات معهم، وبقي معهم، وقيل: إنه أيضا يحشر معهم.
وفيه دليل أيضا على كرامة الله تعالى لأوليائه حيث يحفظهم، ثم يحرسهم. فلا شك أن كونهم بقوا هذه المدة، ثم بعثهم الله، وأعاد إليهم أرواحهم، وعاشوا، واشتهوا الطعام بعدما فقدوا الحياة مدة طويلة، وأحسوا بأنفسهم أنهم بحاجة إلى الأكل، وهذه عادة الحي؛ إذا رجعت إليه روحه أحس بالجوع، وأحس بما يحس به الأحياء؛ فهذه آية من آيات الله كرامة لهم؛ مع طول المدة أعاد الله تعالى إليهم أرواحهم، وأعاد إليهم حياتهم؛ فكان في ذلك آية ومعجزة تدل على حماية الله تعالى وعنايته بأوليائه.

line-bottom