اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
حاجة البشر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
91310 مشاهدة
الصراع بين الحق والباطل

وسئل حفظه الله: منذ بزوغ الرسالة المحمدية والأمة تشهد صراعا بين الحق والباطل، وكان من آثار هذا الصراع أن اضطهد وعُذب كثير من العلماء والدعاة إلى الله وأهل العقيدة السلفية، وذلك على مر العصور والأزمنة.
وما ذاك إلا أن ذنبهم هو الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق للناس، ومن آثار هذا الصراع أيضا أن اتُّهم كثير من الدعاة والعلماء في عقيدتهم ودينهم وأعراضهم، ومن هؤلاء الذين عذبوا وسجنوا: الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيرهم كثير.
وإن أشد ما يلاقيه الدعاة إلى الله أن من يتهمهم يكون من بني جلدتهم، ويتكلم بلغتهم؛ بل ويدعي الإسلام، ثم تجده يتكلم بما يتكلم به في عقيدة هؤلاء وأعراضهم.
وليس الغريب أن يصدر هذا الكلام من الفسَّاق وأهل المعاصي ومن شابههم، ولكن الغريب أن يصدر مثل هذا الكلام من أناس نحسبهم من الدعاة ومن العلماء، فما الذي حملهم على هذا؟ نرجو من فضيلتكم بيان هذا الأمر وتوجيه نصيحة لهؤلاء؟
فأجاب: هذا القول لا يصدر من إنسان عاقل، يعرف العلماء والدعاة إلى الله وإلى دينه الحق، وإنما يصدر من جاهل بالحقائق أو من عدو للحق، ولدعاة الحق؛ وما ذاك إلا أن الدعاة والعلماء اشتهروا على مر العصور فيما بين الناس بالدعوة إلى الله، وانتشرت مقالاتهم ومؤلفاتهم في ذلك في أرجاء المعمورة، وانتفع بنصائحهم ومواعظهم وعلمهم الخلق الكثير، ولا شك أن هذا دليل على ثقتهم وعدالتهم ومحبتهم للحق، ومحبة الناس لهم، ولو لم يكن إلا أن لهم إقبالا على السنة وإقبال الناس على دروسهم ومؤلفاتهم. ولم يلاحظ عليهم، والحمد لله، ما يخل بعقيدتهم وما يقدح في ديانتهم ولا ما يرى أنه ضرر على الأمة. فهؤلاء الذين اشتغلوا بالطعن فيهم لا شك أن الذي حملهم على ذلك إما تجاهل بالحقائق الظاهرة الواضحة، وإما عداوة للحق، وإما حسد لهم على مكانتهم وشهرتهم التي نالوا بها هذا العلم وهذه الشهرة.
إن علماء السنة والعقيدة السلفية معروفون ولله الحمد على مر العصور والأزمنة، من خلال دروسهم ومؤلفاتهم ولم يلاحظ عليهم شيء من البدع، ولكن الملاحظ عليهم أنهم يحاربون البدع ويحاربون الدعاة إلى الضلال، ويشهرون بهم ويفتكون فتكا واضحا بمن هو مبتدع أو داعية إلى البدع.
فحذروا من التنصير والنصارى وبينوا أساليبهم في دعوتهم إلى ضلالهم.
وحذروا أيضا من العلمانيين الذين يدعون إلى التفريق بين الإسلام وبين المسلمين والتفريق بين شعائر الإسلام، وبينوا أخطاءهم وأخطارهم.
فلأجل ذلك ثار عليهم هؤلاء العلمانيون وأتباعهم الذين انخدعوا بهم وظنوا أنهم دعاة سوء، وما علموا أنهم من أنصح الخلق للخلق.
إنهم والحمد لله معروفون بمحبتهم للخير، وبنصحهم للأمة وبإرشادهم للخير، ومعروفون أيضا بما وهبهم الله -تعالى- من فصاحة وفِقْهٍ للحقائق، وإدراك للوقائع التي يخاف منها ويحذر منها، فهم يحذرون من كل خطر يهدد كيان الأمة، ويحذرون من الأخطار التي ينشرها أعداء الدين، وكل نشرة فيها شيء من الدعوة إلى الباطل يبينونها ويحذرون منها، ولما كانوا صريحين في الجهر بالحق، وفي بيانه بأسلوب واضح لا غبار عليه، وفي التنبيه على الوقائع التي يحذر من الوقوع فيها ويخاف منها، كالضرر على العقيدة أو على الأعمال بعبارات جلية صريحة، أبغضهم هؤلاء العلمانيون وأشباههم، ونصبوا لهم العداوة، وصاروا يحذرون منهم، ويتقربون بذلك إلى رؤسائهم، أو إلى من يكون على نهجهم وطريقتهم، ويجمعون أخطاء لا حقيقة لها، ويجعلون من الحبة قبة، فيجعلون الخطأ اليسير خطأ كبيرا. ولا شك أن هذا من مساوئ أهل الضلال والعياذ بالله، فهم الذين يتتبعون الزلات ويحملون الكلام ما لا يحتمله.
ولا شك أن ما وقع لإمام أهل السنة في زمانه الإمام أحمد بن حنبل من هذا القبيل، فإن أولئك المبتدعين الذين تقربوا من المأمون وغيره وأقنعوه بمذهبهم وبدعتهم، فأدى ذلك إلى حمل المأمون على الوقوف ضد أهل السنة وعلمائها، فحُبسوا وضُربوا وعُذبوا، واستمر الأمر على ذلك حتى نصر الله أهل السنة وفرج عنهم.
وما حدث لشيخ الإسلام من مكائد من أعدائه أهل الفرق والبدع مما أدى إلى سجنه وتعذيبه، ولكنه انتصر عليهم في النهاية.
وعلى مر العصور، وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يستمر الصراع بين الحق والباطل ولكن تكون الغلبة في النهاية لأهل الحق، إما في الدنيا بالنصر والتمكين، أو في الآخرة بالشهادة والمغفرة والجنة والفردوس الأعلى.
فالواجب علينا أن نحسن الظن بالدعاة إلى الله -تعالى- وأن نحبهم، وأن نتقرب إلى الله بمحبتهم، والله أعلم.