إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
تفسير سورة الكهف
38706 مشاهدة print word pdf
line-top
فوائد من قصة أصحاب الكهف

كذلك أيضا فيه دليل على أن معرفة الحق والاهتداء به ليس بطول التجربة، ولا بطول الأعمار؛ وذلك لأن قومهم قد يكون فيهم شيوخ، قد يكون فيهم مُسِنُّون، وكبار الأسنان، ومع ذلك لم يهتدوا، وكانت الهداية لهؤلاء الفتية وهم جمع فتى، الفتية: هم الذين في مستقبل أعمارهم. أي: ما فوق العشر إلى ما قريب الثلاثين من أعمارهم، يقال لهم: فتية، كما ذكر الله أن إبراهيم فتى في أول أمره، بقولهم: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ فالفتى مشتق من الفتوة، التي هي النشاط والقوة. هؤلاء فتية أي: شباب في أول أعمارهم.
ففيها دليل أيضا على أن الشرك فاشٍ في كثير من الأمم، وأنه متمكن من كثير من الدول؛ فإنهم اعترفوا بأن قومهم مُشْرِكُون، يعبدون مع الله آلهة أخرى، ولكن الله تعالى يهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء ؛ فقومهم مشركون باقون على شركهم، إما شركا وراثيا توارثوه من آبائهم، وإما شركا متجددا تجدد لهم أن أشركوا.
فيها دليل أيضا على عناية الله تعالى بأوليائه ؛ فهؤلاء من أولياء الله الصالحين؛ حيث إنهم لما آمنوا إيمانا صحيحا تولى الله تعالى حفظهم، تولى الله حراستهم؛ فحرسهم وحفظهم من أن يأتي عليهم شيء من البلاء، وكذلك حفظهم من أن يطلع عليهم أحد طوال هذه المدة، وأخفى أخبارهم، ولم يَعلم بهم أقوامهم، ولم يدروا أين ذهبوا؛ أهلوهم، وآباؤهم، وإخوتهم، لم يعلموا بهم مع أنهم في الإمكان أنه قريب، يمكن أنهم في ذلك الكهف، قريب منهم، ولكن طمس الله على الأعين، فلم يَرَهُمْ أحد؛ وذلك آية من آيات الله تعالى.
كذلك أيضا آية أخرى، وكرامة لهم؛ حيث بقيت أبدانهم طوال هذه المدة، وحيث إن الله يرسل عليهم من يقلبهم، أو يأمر بهم فتتقلب أبدانهم جنبا إلى جنب، يعني: ينقلب أحدهم على جنبه الأيمن مدة، ثم يقلبه الله، آية ومعجزة عجيبة من أمرهم؛ حتى لا تتآكل أيضا أبدانهم.
كذلك أيضا فيه دليل على أن صحبة أهل الخير تكسب خيرا ؛ فهذا كلب من الكلاب النجسة؛ معروف نجاسة الكلب، لما أنه صحب أهل الخير بقي ذكره في القرآن ذكرا محمودا. ذكره الله تعالى في قوله: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ أضافه الله تعالى إليهم وهذه الإضافة تقتضي فضلا، وتقتضي شرفا، ولا حاجة إلى معرفة اسم ذلك الكلب، ولا اسم أفرادهم إلا أنه كلب من الكلاب؛ الذي سخره الله تعالى، وسار معهم، ومات معهم، وبقي معهم، وقيل: إنه أيضا يحشر معهم.
وفيه دليل أيضا على كرامة الله تعالى لأوليائه حيث يحفظهم، ثم يحرسهم. فلا شك أن كونهم بقوا هذه المدة، ثم بعثهم الله، وأعاد إليهم أرواحهم، وعاشوا، واشتهوا الطعام بعدما فقدوا الحياة مدة طويلة، وأحسوا بأنفسهم أنهم بحاجة إلى الأكل، وهذه عادة الحي؛ إذا رجعت إليه روحه أحس بالجوع، وأحس بما يحس به الأحياء؛ فهذه آية من آيات الله كرامة لهم؛ مع طول المدة أعاد الله تعالى إليهم أرواحهم، وأعاد إليهم حياتهم؛ فكان في ذلك آية ومعجزة تدل على حماية الله تعالى وعنايته بأوليائه.

line-bottom