شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
إنكار العلماء على المحدثين والمبتدعين
...............................................................................
أنكر العلماء على المحدثين والمبتدعين وردوا عليهم بدعهم في القرن الرابع، حدثت بدع المتصوفة وهم الذين يجتمعون كهيئة حلقات ثم يرقصون ويهزون رءوسهم ويغنون غناء ركيكا، ولو كانت معانيه سليمة صحيحة، ولكن إنه مبتدع على هذه الصفة، فأنكروا عليهم هذا النشيد وهذا الترنم وهذا الحداء وهذا الغناء، وجعلوا هذا من البدع والمحدثات في الدين.
وهكذا أيضا أنكروا في القرن الرابع بدعة إحداث المولد؛ ما أحدثها إلا قوم من المبتدعة كالرافضة ونحوهم، قالوا: ماذا تنكرون علينا نجتمع في ليلة ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونذكره بصفاته، ونثني عليه ونصلي عليه، نقول: إن هذا بدعة وإنه محدث، ولا أصل له فاتبعوا ولا تبتدعوا.
وهكذا بقية البدع فمن أحدث بدعة فإنها مردودة عليه لا يجوز أن يقر عليها؛ وذلك لأنه يعتقد أو على حد قوله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبلغ الشرع كله، أو أنه خان وأخفى شيئا من الدين، أو أن دينه ناقص بحاجة إلى إضافات وإلى زيادات أو ما أشبه ذلك.
ويقال هكذا أيضا فيمن ترك شيئا من الأعمال الإسلامية، كمن قال: سوف نقتصر على صلاتين: صلاة أول النهار وصلاة آخر النهار؛ لأن فيهما ذكر وتذكير فلا حاجة إلى هذه الزيادات؛ أليس هذا قد غير الشرع وعمل بخلاف ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! عمل عملا ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو رد عليه.
وهكذا الذين يقولون: إننا نصوم ثلاثين يوما كما يفعل ذلك بعض الرافضة، يقولون: إذا كان الشهر ناقصا فلا بد أن نكمله ونصوم, فمثل هؤلاء أيضا قد عملوا ما ليس عليه أمر الله وأمر رسوله، فذلك مردود عليهم، وهكذا لو قال قائل: نغير يوم الجمعة أو يوم العيد نقدمه أو نؤخره، أو نقدم منسك الحج أو نؤخره أو نزيد فيه بزيادة أطوفة أو سعي أو ما أشبه ذلك، أليس هذا إحداث في الدين مردود على من جاء به؟!.
وهكذا يقال أيضا فيمن غير الأحكام فإنه مردود عليه، كمن قال: بدل قطع يد السارق نأخذ عليه مالا ننتفع به، ولا نقطع يده فيبقى متحسرا فيبقى عضوا أشل في المجتمع يشوه نظر المجتمع، ويشوه سمعة المسلمين، نأخذ عليه مالا ونقول: أنت اشتر يدك بخمسين ألفا أو بمائة ألف أو بكذا وكذا. فإن هذا تغيير لشرع الله ولأمره فهذه الفكرة أيضا رد.
وكذلك لو قال: نسقط القصاص إذا قتل منا واحد فكيف نقتل ذلك القاتل؛ بدل ما يفقد منا واحد يفقد منا اثنان هذا نقص في مجتمعنا فلا نقتل القاتل، ولكن نأمره بأن يفدي نفسه يشتري نفسه بمال، هذه أيضا فكرة سيئة جاء بها أولئك المبتدعون، وكررها الذين عملوا بالقوانين الوضعية.
لا شك أن هذا تغيير لشرع الله وأنه مردود على من جاء به، وهكذا الذين أباحوا كثيرا من المحرمات، وقالوا: إن فيها مصلحة؛ كالذين أباحوا الخمور فقالوا: إنه شراب لذيذ روحي تحريمه يكون فيه ضرر على جنس الناس، وإذا عثر على أحد قد شرب مسكرا عابوه وحبسوه قليلا ثم أطلقوا سراحه.
لا شك أن هذا تغيير لشرع الله فهو مردود، وهكذا يقال في بقية تغيير الشرائع أن التدخل في ذلك مردود على من جاء به كما يفعل ذلك من يفعله من الذين قننوا ذلك، وعملوا بهذه القوانين الوضعية، وجعلوها بدل التشريعات الشرعية الحكيمة، نعوذ بالله من الخذلان ونسأله العفو والغفران.
مسألة>