تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82039 مشاهدة
النية والهجرة

...............................................................................


أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى، وضرب مثلا بالهجرة؛ كانوا إذا أسلم أحد في بلاد الكفر انتقل من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام؛ حتى يأمن على نفسه وماله ودينه ومحارمه، ويسلم من الأذى ويسلم من الفتنة، كما حصل من المسلمين الذين كانوا بمكة يعذبون، فإنهم هاجروا أولا إلى الحبشة ثم هاجروا بعد ذلك إلى المدينة ثم صارت بلاد إسلام.
يعني أن هناك إنسان يكون نيته في الهجرة المصالح الدنيوية، فليس له أجر على هجرته، وإنسان يكون سبب الهجرة فرارا بدينه فيكون له أجر عند الله تعالى على هذه الهجرة.
الهجرة إلى الله ورسوله؛ يعني إذا كانت نيته أن يتعلم بهذه الهجرة، أو نيته أن يتمكن من عبادة الله، أو نيته نصرًا أن ينصر الله ورسوله ويجاهد في سبيله فهذه نية صادقة يثيبه الله تعالى ثواب المهاجرين، فإذا كانت نيته أن يصيب دنيا؛ يعني مكاسب أو تجارة أو دنيا يحصل عليها، أو يجد حرفة أو يجد عملا يحصل منه على مصالح دنيوية وأموال دنيئة، أو يتزوج امرأة رغبها ولا يحصل له الزواج بها إلا إذا هاجر فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه؛ أي ليس له أجر الهجرة، فالله تعالى هو المطلع على نيته، هذا بيان في هذا المحل بيان للهجرة أنها مثل من الأمثلة.
ذكروا لسبب هذا الحديث أن رجلا هاجر لما خطب امرأة يقال لها أم قيس فامتنعت من الزواج به حتى يهاجر فهاجر؛ ليتزوج بها، فكانوا يسمونه مهاجر أم قيس فيكون هذا أيضا من جملة الأمثال التي تفسد الأعمال.
لا شك أن الهجرة كانت مشروعة في أول الإسلام؛ عندما كان الإسلام ضعيفا في تلك القرى وفي تلك المدن، ولا يتمكن مسلم من العبادة ومن التعلم ومن العمل إلا في البلاد التي أهلها مسلمون، وأهلها كلهم على الإيمان فيهاجر حتى يأمن على نفسه وعلى دينه، أو يهاجر حتى يتعلم أحكام الدين، فهذا هو الذي هجرته يثاب عليها.
لما فتحت مكة وفتحت البلاد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أراد أن يهاجر: ذهبت الهجرة لأهلها أي الذين هاجروا من السابقين الأولين؛ فاعبدوا الله تعالى في بلادكم ولو من وراء البحار.
وبهذا نعرف أن الإنسان واجب عليه أن يحسن نيته ويعبر عن ذلك بالإخلاص فالإخلاص هو إخلاص النية أن يكون العمل خالصا لله تعالى؛ حتى يثيبه الله تعالى عليه، وأن لا يفسده بالرياء ولا بالسمعة ولا بالتمدح ولا بإرادة المصالح الدنية وما أشبه ذلك مما يضعف الأجر ويقلل الثواب.