إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
115236 مشاهدة print word pdf
line-top
فضل الدعوة إلى الله

...............................................................................


ويدل أيضا على فضل الدعوة إلى الله؛ سيما إذا ترتب على ذلك الانتفاع والاهتداء والاقتداء؛ بأن تقبل أولئك الذين دعوتهم دعوتك وفرحوا بها وقبلوها واهتدوا بسببك، وفقهم الله وهداهم وأطاعوا أمر الله وعملوا الصالحات وتركوا السيئات؛ تابوا مما كانوا يعملونه؛ إن كانوا كفارا مشركين أو نصارى أو نحوهم، فتركوا دينهم وشركهم وكفرهم ودخلوا في الإسلام فأنت السبب فلك الأجر.
وإن كانوا مبتدعين بدعا عملية أو اعتقادية تخالف الدين أو تقدح بالتوحيد؛ فهداهم الله تعالى بسببك فلك مثل أجورهم وأنت على خير, وإن كانوا أهل معاصي ومخالفات وذنوب فاهتدوا بسبب دعوة هذا الداعي، وتركوا المعاصي وتابوا إلى الله تعالى، فإنه على خير، وله مثل أجورهم من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
إذا أثاب الله تعالى هذا المهتدى فإنه أيضا يعطي الهادي مثل أجورهم, ما عملوا عملا إلا كان للذي تسبب في هدايتهم مثل هذا العمل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ جميع من اهتدوا بسببه له مثل أجورهم، وفضل الله تعالى واسع إذا صلى صلاة فله أجرها، ولك أيها الداعي مثلها، وإذا تصدق بصدقة فله أجر تلك الصدقة، ولك مثل ذلك الأجر، وإذا سبح تسبيحة فله أجرها تكتب له حسنة، ولك مثل ذلك، وكذلك بقية الأعمال يثيب الله تعالى الذين يدعون الناس، ويهتدي بسببهم من اهتدى, يثيبهم هذا الثواب الكثير، ويعطيهم هذا الأجر الكبير هذه فائدة هذه الدعوة.
ورد أيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من دل على خير كان له مثل أجر فاعله أي وهو مع ذلك لا ينتقص أجر الفاعل، بل أجر الفاعل كامل وأجر الدال عليه كامل فضلا من الله تعالى، ولا شك أن هذا خير كثير.

line-bottom