الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82027 مشاهدة
كل شيء عاجز عن أن يوجد نفسه

...............................................................................


وأما الذين لم يعترفوا بالخالق بل يدعون أن هذه الموجودات أوجدت نفسها، أن هؤلاء سلبوا عقولهم، فإنهم لو فكروا أدنى تفكير؛ لعلموا أن كل شيء من هذه المخلوقات عاجز عن أن يوجد نفسه أو يوجد غيره، بل لا يقدرون على أن يصوروا أدنى شيء من المخلوقات، لا يقدر المخلوقون ولو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابا ينفخ فيه الروح ويركب مفاصله ويركب فيه أعضاءه وأحشاءه وأمعاءه، فيطير كما يطير هذا الذباب المخلوق الذي خلقه الله تعالى، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي لا يقدرون على خلقه، ولا يقدرون أيضا على خلق ذرة من هذه الذر التي خلقها الله تعالى، وجعل فيها هذه الروح التي تتحرك بها، وجعل فيها هذه الأعضاء وهذه الأمعاء في داخلها.
وكذلك لا يقدرون على أن يخلقوا بعوضة؛ هذه الناموسة التي لها طنين وتطير، ركب الله تعالى فيها أعضاءها ومفاصلها الداخلية، هل يستطيع الخلق كلهم أن ينفخوا فيها الروح إذا ماتت أن يحيوها ويعيدوا إليها حياتها؟ لا يقدرون، لا شك أن هذا كله دليل على أنهم مخلوقون وأن لهم خالقا.
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا برة أو ليخلقوا شعيرة أي لا يقدرون على أن يخلقوا ذرة مع صغر هذه الذرة وحقارتها، ولا يقدروا على خلق برة أي حبة من البر؛ بحيث تكون كالحبة الطبيعية بحيث أنها تزرع وتنبت ويكون لها سنبل، ويكون لها نبات، ويكون لها أغصان وأفنان، لا يقدرون أو شعيرة بأغلفتها وبطعمها تنبت إذا بذرت.
لا شك أن هذا كله دليل على أن لهذا الكون خالقا خلقه، وأوجده فيؤمن العباد برب العباد، ويسلموا له الأمر ويفوضوا أمرهم إليه؛ كما في قول الله تعالى عن مؤمن آل فرعون وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .