القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
103149 مشاهدة print word pdf
line-top
لمن تكون المنزلة

...............................................................................


وبكل حال الكلام إنما هو في منازل الناس التي يستحقونها عند الله تعالى، وعند عباد الله، ونعرف أن منازل الناس بالنسبة إلينا نقول: لا شك أن المقربين عند الله تعالى هم الذين يحبونه ويعبدونه، ويقيمون حقوقه وحدوده، ويؤدون العبادات التي أمروا بها، فهؤلاء لهم مكانتهم؛ نحبهم ونقربهم ونحترمهم، ونعترف بفضلهم وبديانتهم وبأعمالهم، فننزلهم منزلة رفيعة.
كذلك أيضا الآخرون الذين لهم منزلة في العلم ، إذا كانوا مثلا حملة العلم، وحفاظ الحديث ونحوهم أيضا نحبهم أيضا ونقربهم ونجالسهم ونؤانسهم، ونطمئن إليهم ونركن إليهم ونثق بهم، ونعرف لهم حقهم ومكانتهم ننزلهم أيضا بمنزلة يستحقونها.
وكذلك أيضا المنازل الدنيوية ؛ أيضا الناس قد يعرفون لأهلها مكانتهم، فإنك مثلا إذا رأيت اثنين كلاهما في العبادة سواء؛ كلاهما يصلي ويصوم ويذكر الله ويقرأ القرآن، ولكن أحدهما من أهل الرفعة، ومن أهل الثروة، ومن أهل المكانة، ومن أهل المال الذين فتح الله تعالى عليهم، والآخر ليس كذلك، بل هو من فقراء الناس وعامتهم، لا شك أنك تقوم لهذا الذي أنعم الله عليه، وتقول: هذا قد غلب نفسه وتواضع لربه، ولم يتكبر مع ما أعطاه الله من هذه الرتبة، وما فتح عليه من هذا المال، قد عصى هوى نفسه، وأطاع الله تعالى، وأجاب داعيه، وتواضع لله، وأنفق مما أعطاه الله، فيكون له مكانة عندك، فقد تقوم له وتسلم عليه وتجلسه في مقدمة مجلسك، وتحترمه وتميل إليه، بخلاف الآخر الذي هو فقير، ولكن عبادته متوسطة كعبادة هذا الغني، وذلك دليل على ما للناس من المنزلة.
ولعل هذا هو ما فعلته عائشة لما جاءها الأول الذي في ثياب دنسة اقتصرت على أن أعطته كسرة أو تمرات في يده، وجاءها الآخر الذي رأت عليه هيبة ثيابا جميلة ومظهرا جميلا ومظهرا يدل على مكانته احترمته وأطعمته، وفرشت له فراشا ورفعت من قدره؛ هذا دليل على أن الناس منازل.
كذلك أيضا لا شك أن الناس من الأصل يحترمون أيضا الذين رفع الله تعالى لهم مكانتهم؛ كالأمير والوالي والحاكم والقاضي والمسئول، ونحوهم ممن لهم مكانة في دولهم، ولهم قدر ولهم أمر ونهي يطاعون ويأمرون ويدبرون، هؤلاء أيضا ننزلهم منزلتهم؛ فأنت مثلا إذا زارك أحد هؤلاء الأكابر، لا شك أنك تهتم به، وتكرمه وتجلسه في مجلس رفيع، وتزيد في كرامته، وتقرب إليه ما تقدر عليه من الفاكهة والأطعمة الشهية ونحو ذلك؛ لأنه له مكانة وله منزلة، وليس كذلك إذا زارك أحد أفراد الناس الذين هم من العامة ممن ليس له مكانة وليس له شهرة، إذا زارك ودخل عليك فإنك تعطيه مما تيسر، وتقرب له ما تيسر؛ دليل على أن الناس منازل.

line-bottom