جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
97644 مشاهدة print word pdf
line-top
صور من الدعوة إلى الضلالة

...............................................................................


فالذي يدعو بفعله؛ مثلا إذا كان يظهر شرب الدخان فيقتدي به أولاده، ويقتدي به إخوته، ويقتدي به الجهلة من أقاربه، وهو ما دعاهم، ولكن أظهر ذلك حتى شربوا مثله, عليه مثل آثامهم.
وهكذا أيضا إذا رأوه يشرب الخمر فوقعوا فيها عن جهل، ولكن ظنوا أنه لا بأس بها، وأنها مباحة لما رأوا هذا الرئيس، أو هذا الكبير يشربها, عليه مثل آثامهم.
وهكذا الذين مثلا يدعون إلى السفور بأقوالهم أو بأفعالهم, النساء مثلا اللاتي يتبرجن ويخرجن زينتهن ويمشين في الأسواق؛ فتراهن هذه الجاهلة ويراهن بعض النساء والفتيات الجهلة يظن بعضهن أن هذا لا بأس به، وتقول: رأيت فلانة المدرسة رأيت فلانة الأستاذة ورأيت فلانة الكبيرة وهي تمشي كاشفة، فلماذا لا أكشف؟ ولماذا لا أتبرج؟ فتكون هذه الداعية بفعلها آثمة عليها إثمها، وعليها إثم من ضل بسببها، وهذا من حيث الفعل.
كذلك أيضا من حيث القول؛ الذين يدعون علنا في إذاعاتهم أو في كتبهم أو في نشراتهم أو في مجالسهم، لا شك أيضا أنهم يضلون خلقا كثيرا، وإذا أضلوهم فإن عليهم مثل آثام أولئك الذين ضلوا بسببهم والعياذ بالله، الذين يدعون إلى تبرج النساء مثلا يدعون إلى إشاعة الغناء والتلذذ به، يدعون أيضا إلى ترك صلاة الجماعة، وأنه لا حرج في تركها، أو ربما ترك الصلاة كليا، فيقولون: لا أهمية لهذه الصلاة أو ما أشبه ذلك، فضلا عن الذين يدعون إلى إباحة الزنا، ويقولون: لماذا تمنع المرأة، لماذا تمنعونها أن تبذل نفسها باختيارها لمن يفجر بها؟ هؤلاء دعاة إلى العهر، وإلى الفساد وما أكثرهم.
كذلك الذين يدعون إلى الانحلال الكلي من الدين إلى التخلي منه، فيقولون: إما أن يقولوا: إن الإيمان في القلب فلا تآخذونا بأعمالنا، ولا تنكروا علينا، لا تنكروا علينا الأعمال التي نعملها، نحن أحرار نعمل ما نشاء ونترك ما نشاء فلا تنكروا علينا, هؤلاء بلا شك يظهر عليهم أنهم منافقون، وأنهم يقولون هذا الكلام مجرد نفاق، لا أنه عن عقيدة، لا شك أن من قال ذلك فإنه يضل بسببه خلق كثير فيكون عليه إثم كفره، وإثم كل من تبعه على ذلك الكفر، وعلى ذلك النفاق وعلى تلك المعاصي، وعلى تلك البدع لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
فهذا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الإسلام، وكذلك على إثم الدعوة إلى الكفر، والدعوة إلى البدع والدعوة إلى المعاصي والمحرمات. نعرف أن المسلمين والحمد لله عندهم دعاة يدعون إلى الله تعالى، منهم من هم مفرغون للدعوة إلى الله تعالى في داخل المملكة وفي خارجها, فيوجد في داخل المملكة من هم كفار بوذيون ونصارى وهندوس وسيخ، ونحوهم من الأديان الباطلة، ثم يوفق الله تعالى أهل الدعوة مكاتب الدعوة، وغيرهم إلى أن يهتدي بواسطتهم خلق كثير واحد أو اثنان أو أكثر، فيكون لهم أجر كبير قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم يعني على وجه التقريب والتمثيل.

line-bottom