شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82033 مشاهدة
النصيحة لعامة المسلمين

...............................................................................


أما النصيحة لعامة المسلمين، فهي التي يجب أن نعمل بها في كل حالاتنا, وهي التي يقع الكثيرون في الخلل بها وعدم التثبت فيها وعدم العمل بها، فنقول: النصيحة لعامة المسلمين إما أن تكون في أمورهم الدنيوية، وإما أن تكون في أمورهم الدينية.
والنصيحة في أمور الدين دعوتهم إلى الله، وترغيبهم للخير وحثهم على العبادات، وحثهم وترغيبهم في الصلوات وفي عمل الحسنات والصدقات والأعمال الخيرية، دعوتهم إلى أن يرغبوا في ذكر الله، وفي تعلم العلم الذي شرعه الله، وكذلك أيضا ترغيبهم في الإكثار من ذكر الله تعالى بأسمائه وبصفاته, ترغيبهم في عمل الخير المتعدي والنافع, أمرهم بالمعروف نهيهم عن المنكر، تذكيرهم بما يلزمهم, تعلميهم ما ينفعهم، والسعي في إصلاح أحوالهم النشاط في دلالتهم على الخير؛ لا شك أن هذا كله من النصيحة لهم، وما أشبهه كثير.
كذلك أيضا من النصيحة لهم تحذيرهم عن المعاصي، من جاءك يحذرك عن معصية فاعلم أنه ناصح؛ فاقبل نصيحته, عليك أن تنصح إخوانك سواء تقبلوا أم لم يتقبلوا، فإن ذلك من حقهم عليك، فإذا رأيت أخاك يعمل معصية كان من نصيحته أن تحذره من هذه المعصية، إذا رأيته يتأخر عن الصلوات، إذا رأيته يترك صلاة الجماعة، إذا رأيته يبخل بالواجبات المالية يبخل بالزكاة أو بالصدقات مما أعطاه الله تعالى، إذا رأيته لا يحترم عباداته يعبث مثلا في صلاته أو يلهو فيها أو لا يقبل عليها إقبالا كاملا؛ لا شك أن حقا عليك أن تنصحه.
وهكذا بقية المعاصي تنصحه وتحذره عن شرب الدخان، وعن حلق اللحى، وعن إسبال اللباس، وعن الكبر والإعجاب بالنفس، وعن احتقار المسلمين، وكذلك أيضًا عن شرب المسكرات وعن تعاطي المخدرات، وعن عمل الفواحش، وتنصحه عن الكلمات السيئة عن البذاءة، وعن السخرية والاستهزاء بإخوانه المسلمين، تنصحه عن السباب والشتم واللعن والقذف والغيبة والنميمة وما أشبه ذلك، من نصحك من كلمك في هذا؛ فاعلم أنه ناصح.
وحق النصيحة أن تستمع، وحق الناصح أن يُشجع فإذا نصحك في عمله هذا فقل: تقبل الله منك جزيت خيرا على هذا الإرشاد، جزيت خيرا على هذه النصيحة، فقد دللتني على شيء كنت في غفلة عنه، أو كان هناك من يزين لي هذه الأمور فكنت أظن أو أعتقد أنه لا بأس بها أو ما أشبه ذلك، فتشجعه وتقبل منه إرشاداته حتى يستمر في هذا النصح، وفي هذا التوجيه.
كذلك من النصيحة لهم ما يتعلق بالأمور الدنيوية، وهي أيضا مما يتساهل فيه كثير من الناس، فالذي يأخذ المصلحة الدنيوية لنفسه لا شك أنه غشاش؛ ولذلك يقول من هديه: من غش فليس مني فإذا كان يغش في السلع ويخفي ما بها من العيوب فليس بناصح، وإذا كان يخدع غيره ويأتي على غرة وغفلة فليس بناصح، وكذلك إذا كان يوقع إخوانه الذين يتعاملون معه في المعاملات والتجارة في شيء من الغرر فليس بناصح، أمثلة الغرر التي وردت في الأحاديث؛ كأن يخفي عليه شيئا، أو يعامله معاملة سيئة أو ما أشبه ذلك.
لا شك أن النصيحة تقتضي أن تعمل معه ما تعمله مع ابنك أو مع نفسك، فتعطيه ما تحب أن تعطي بقية إخوانك، يقول -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه والكلام على أمثلة هذه النصيحة واسع ومعروف في فطر المسلمين.