الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
97838 مشاهدة print word pdf
line-top
الصفة الرابعة الفجور عند الخصام

...............................................................................


وأما الخصلة الرابعة؛ وهي الفجور فيقول: وإذا خاصم فجر الفجور الحلف كاذبًا وهذا من أعظم المحرمات إذا حلف كاذبا صدق عليه أنه فاجر.
ولا شك أن الفجور من صفات الكفار قال الله تعالى: إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ فسماهم فجارا وهم كفار، وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ قد يقال: إن هذا في الكفار, فنعم إنه في الكفار، وسمي الكفار فجارا لأنهم يخلفون ما وعدوا الله تعالى، كما حصل للمنافقين في قوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وأيضا فإنهم يفجرون؛ يعني يعدون ولا يوفون ويحلفون ولا يصدقون في حلفهم، ويكون فجورهم؛ بمعنى حلفهم وهم كاذبون، قد ذكر الله تعالى كثرة الحلف عن المنافقين كما في قوله تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فكثرة الحلف مع عدم الوفاء به يسمي فجورا، وأشد ما يكون إذا حلف عند الحاكم وفجر واستحل بهذا الحلف مالا بغير حق يأخذه بغير حق، فإن ذلك أعظم إثما، حيث أنه استحل بحلفه المال الحرام، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: من اقتطع مالا بغير حق بيمين هو فيها كاذب لقي الله وهو عليه غضبان. قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من الأراك أي عود سواك.
وتوعد الله تعالى على الكذب الذي يستحل به الحرام بوعيد شديد، في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ خمس عقوبات على هذا، ما ذكر الله إلا أنهم يشترون بأيمانهم وبعهد الله ثمنا قليلا؛ يعني يحلفون وهم كاذبون حتى يحصلوا على مال قليل، الدنيا وما فيها كلها قليل فلو حصلوا على مئات الألوف أو ألوف الألوف بهذه اليمين فإنهم خاسرون؛ حيث أنهم باعوا دينهم وباعوا أعمالهم الصالحة، وباعوا أماناتهم بهذا المال القليل الذي استحلوه بهذه الأيمان الكاذبة فهذا معنى قوله: وإذا خاصم فجر فإذا خاصم عند القاضي، إذا رفعت له خصومة عند القاضي فجر؛ فإما أن يفجر بالكذب فيدعي ما ليس له، فيقول: لي عند فلان مائة أو ألف أو مائة ألف وهو كاذب، أو يحلف على أنه ليس له عنده شيء، وهو يعلم فيجحد الذي في ذمته أو يدعي شيئا ليس له، ويحلف على ذلك، فذلك من الفجور الذي هو من صفات المنافقين.

line-bottom