إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82291 مشاهدة
شرح حديث اشفعوا فلتؤجروا

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: الحديث الرابع عشر: عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة قال: اشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء متفق عليه .


هذا حديث شريف فيه أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحرص على نفع المسلمين، وعلى قضاء حوائجهم، ويحرص على أن بعضهم ينفع بعضا، ويؤيد بعض المؤمنين بعضا؛ وذلك من باب التعاون الذي أمر الله به؛ الأمر بالتعاون على البر والتقوى، ومدحه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأثنى على من ينفع إخوته فقال -صلى الله عليه وسلم- من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه فهكذا إذا جاءه صاحب حاجة يقول لأصحابه: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء اشفعوا تؤجروا يعني أنكم إذا شفعتم سواء شفاعة عنده -صلى الله عليه وسلم- أو عند ذوي الحاجات فلكم أجر على هذه الشفاعة. ويقضي الله تعالى على لسان نبيه ما شاء من الأمور التي قدر وجودها وقدر قضاءها، فإنه سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقد جعل لقضاء الحوائج أسبابا.