إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
تفسير سورة الكهف
28730 مشاهدة
قصة صاحب الجنتين

الحمد لله رب العالمين.
صلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سمعنا في قراءة الإمام القصة الثانية في هذه السورة، حيث ورد في هذه السورة أربع قصص لم ترد في غيرها.

فالقصة الثانية: قصة الرجلين اللذين أحدهما له هذان البستانان، والثاني الذي نصح أخاه أو صاحبه، وأخلص له النصيحة، يقول الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وكأن الثاني ليس له مثله، وإنما هو يظهر أنه فقير، ولكنه فقير صابر، فقير محتسب على ما أصابه، وأن صاحب الجنتين ممن طغى وبغى، وصدق عليه قول الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ الجنة اسم للبستان الذي فيه أنواع الزهور، وأنواع الخيرات، وأنواع النباتات، والذي تكثر فيه الثمار، وتجري فيه الأنهار، وتُرَى فيه الأزهار، ويكثر فيه. يعني: الثمر الذي من دخله فإنه يجتن فيه يعني: يختفي فيه بحيث لا يراه من كان خارجه. أي: تجنه هذه الأشجار وتظله وتستره. هذا سبب تسميتها جنة، ومنه سمى الله تعالى جنة الخلد بهذا الاسم، وما ذاك إلا لما فيها من الأنواع التي تزهر، وتفرح من دخل فيها، وما فيها من النعيم، وما فيها من اللذة.
فالبساتين في الدنيا يتنعم بها، والذي يدخلها ويرى خضرة الأشجار والأوراق، ويرى أيضا أزهار الأشجار وثمارها، ويرى الأنهار التي تجري من بينها مياه متدفقة وأنهار جارية، وكذلك أزهار في تلك الأشجار وثمار يانعة؛ يتخير منها ما يأكله وما يشتهيه، هذه تسمى الجنة.
ذكر الله تعالى أن لأحدهما جنتين، يعني: بستانين فيهما من أنواع الأشجار، ولهذا ذكر الله تعالى ما في أحدهما أو ما فيهما جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ هذا من جملة ما فيهما. أكثر ما يتنعم به النخيل؛ وما ذاك إلا لحسن ثمرها، ولأنه لا يسقط ورقها، ولأن فيها منافع كثيرة؛ ينتفع مثلا بتمرها كغذاء، وينتفع به كدواء وقوت، وينتفع أيضا بخوصها، وينتفع بسعفها، وينتفع بكرمها وما فيها، وينتفع بها منافع كثيرة.
وكذلك الأعناب التي هي أيضا من أفضل الأشجار، وما ذاك إلا لحسن ثمرها ولفضله، ولحلاوة ما فيها حلاوة ذات طعم؛ فالأعناب التي هي جمع عنبة؛ يتخذ من ثمرها هذا الشراب، وكذلك هذا الغذاء الذي هو الزبيب، وهذا الفاكهة الذي هو العنب، وكذلك أيضا أوراقها ينتفع بها.
يقول الله تعالى: وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا أي: فجر الله خلالهما أنهارا أي: في خلال هذه الأشجار وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا أي: جعل الله تعالى وأنبت بينهما زرعا، والزرع اسم لكل ما يزرع وينبت، وليس خاصا بالقمح، ليس خاصا بالبر الذي هو زرع. بل يعم كل ما يغرس؛ ولهذا سمى الله تعالى نبات الأرض زرعا في قوله تعالى: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ فسمى جميع النباتات زرعا. والغالب أن الزرع كل ما فيه ثمرة مقصودة، وكل ما فيه لذة، وكل ما فيه بهجة للناظرين.
فهكذا أخبر الله تعالى بهاتين الجنتين؛ جنتين من نخيل وأعناب: وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا أي: أنهارا جارية، وجعل خلالهما هذه الأنهار. وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ أي: من أثمار هذه الأشجار. أي: ثمار مقصودة؛ فالنخل فيه ثمر، والعنب فيه ثمر، والبر ونحوه فيه ثمر، وكذلك بقية الأشجار له ثمر.