إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
شرح كتاب الآجرومية
133561 مشاهدة print word pdf
line-top
الثاني: المصدر

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب المصدر المصدر: هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثا في تصريف الفعل نحو: ضرب يضرب ضربا، وهو على قسمين: لفظي ومعنوي، فإن وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظي، نحو: قتلته قتلا، وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي، نحو: جلست قعودا، وقمت وقوفا، وما أشبه ذلك.


هذا أحد الأسماء المنصوبة ويسمى مصدرا؛ لأنه صادر عن الفعل، كأن الفعل الذي حصل صدر عنه مدلول، يقول النحاة: إن الفعل يدل على شيئين: يدل على الزمان، ويدل على الحدث، فإذا قيل مثلا: قام. فإنه يدل على أمرين: يدل على زمان مضى، ويدل على حدث وهو القيام، وإذا قيل: ضرب. فإنه يدل على حدث وهو الضرب، ويدل على زمان وهو المضي، كأن يقول مثلا: ضربه أمس، أو صباحا، هذا هو المصدر، الفعل له مدلولان: مدلول الزمان، ومدلول الحدث.
فالمصدر: هو اسم الحدث؛ يعني أنه شيء حدث بسبب الفعل، ثم يذكرون أنه يأتي توكيدا، ويأتي مؤكِّدا ويأتي مبينا للنوع، ويأتي مبينا للعدد. فإذا قال مثلا: قرأته نظرا، أو قرأته سماعا فإن هذا مبين للنوع –نوع القراءة- وإذا قال مثلا: سرتُ سير زيد. فإن هذا مبين للنوع، وإذا قال: سرت سيرتين. فإن هذا مبين للعدد، فيأتي مؤكِّدا، ويأتي مبينا للنوع، ويأتي مبينا للعدد، ثم حكمه أنه منصوب.
وغالبا أن يأتي قبله فعل، وربما يأتي قبله فعلان: ماضٍ ومضارع، كأن يقول: ضربه يضربه ضربا، وحفظه يحفظه حفظا، إذا قيل مثلا: حفظ القرآن حفظا كاملا، فحفظا: مصدر يدل على تأكيد الفعل، يكفي لو قال حفظَه، فإذا أكَّد ذلك بقوله حفظا، دل على أنه حفظ جيد. عفوا ما لو وقف عند قوله حَفِظَهُ، وإذا أتى بالمعنى فإن ذلك أيضا تأكيد، فلو قال مثلا: حفظه استظهارا؛ يعني عن ظهر قلب كان هذا مُؤَكِّدا، ويسمى تأكيدا معنويا؛ لأن الاستظهار معناه الحفظ، استظهره؛ يعني قرأه عن ظهر قلب.
وكذلك إذا قال مثلا كما مَثَّلَ المؤلف: قعدت قعودا، وقمت قياما. فإن هذا يعتبر مُؤَكِّدا؛ لأنه قد يقول: قمتُ وهو لم يَقُمْ، لم يكن هناك قيام الذي هو الوقوف، يأتي في كلام العرب القيام بمعنى الاهتمام بالأمر، يقولون مثلا: قام فلان في هذا الأمر؛ يعني اهتم به، قام في تربية أولاده، قام في الدعوة إلى الله؛ فيعبرون بالقيام عن الاهتمام، فإذا قال: قام قيامًا عُرِفَ بذلك أنهم يريدون الوقوف على القدمين، ومنه قول الله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ، فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ . فإن قوله: قِيَامًا ؛ يعني اذكروه في حال قيامكم؛ فيعتبر مصدرا، وإن كان في هذا المكان دالا على الحال؛ أي في حال كونكم قياما، فقياما مصدر؛ يعني أصل وضعها أنها مصدر، مصدر قام يقوم قياما، وقعد يقعد قعودا، واضطجع يضطجع اضطجاعا.
وقد يأتي المصدر. قد يسمى بعض المسميات باسم المصدر؛ فيعامل معاملة الأسماء، فمثلا قولهم: صيد، الصيد صاد يصيد صيدا، الصيد: مصدر صاد يصيد، ولكنه أصبح يستعمل كالأسماء، ورد في القرآن في قوله تعالى للمحرمين: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مع أن أصل وضعه مصدر، ومثله الطير، طار يطير طيرا وطيرانا، يعتبر أصلا أنه مصدر، ولكنه مع ذلك يعامل معاملة الأسماء. فالحاصل أن المصدر: هو الاسم المنصوب الذي يجيء فعله في تصريف الفعل، نحو قام يقوم قياما، وقعد يقعد قعودا، هذا هو المصدر.
وذكرنا أنه إما أن يدل على التأكيد، وهذا هو الأغلب، أو يدل على النوع، أو يدل على العدد. وأنه -كما ذكر المؤلف-: إما أن يكون لفظيا، وإما أن يكون معنويا، فإن كان لفظه لفظ فعله فهو لفظي: قمت قياما، وقرأت قراءة، وحفظت حفظا، وجلست جلوسا، ويقولون مثلا: قد يوصف المصدر أيضا بوصف يناسبه، كأن يقولوا مثلا: أكل أكلا كثيرا، أو أكلا شهيا، وشرب شربا خفيفا أو سريعا، كما يقولون: سافر سفرا طويلا، كل هذه تعتبر مصادر.
وإذا أكد بمعنى الفعل اعتبر تأكيدا معنويا لا أنه لفظي، مثل ما مََثَّلَ المؤلف: قعدت جلوسا، وقمت وقوفا، وقفت قياما، قام قياما هذا لفظي، قام وقوفا هذا معنوي، جلس جلوسا هذا لفظي، جلس قعودا هذا معنوي، أو ركب سريعا هذا معنوي، ومشى مشيا هذا لفظي، وسمع إنصاتا هذا معنوي، سمع سماعا هذا لفظي.
وقد يوصف أيضا أو يؤتى به كوصف؛ كأن يقولوا: نظر شذرا، بدل ما يقولون نظر نظرا محدقا، نظر مبحلقا، يأتون بما يدل على المعنى، نظر نظرا، وسمع سمعا، وتكلم كلاما. هذه لفظية، وإذا قيل مثلا: تكلم نطقا فصيحا، فهذا معنوي.
حكمه أنه منصوب، منصوب على أنه مصدر، تقول مثلا: ضربته ضربا. مصدر منصوب على المصدرية سواء كان معنويا أو لفظيا، وتصريفه أنه من الفعل؛ من تصرفات الفعل، وأنه أيضا قد يعمل عمل فعله؛ المصدر قد يعمل عمل فعله مثل الكون: كان يكون كونا، فيعمل عمل كان، إذا قلت مثلا: كون زيد قائما أفضل من كون عمرو جالسا، كون هذه مصدر، ومع ذلك عملت عمل الفعل؛ عمل فعلها – كان-، ولكن لما كانت مضافة جرّ اسمها وبقي خبرها منصوبا، جر الاسم وبقي الخبر منصوبا، وفيه بحث؛ يعني في الكتب المطولة؛ يعني توسعوا فيه، ولكن هذا خلاصة ما يقال فيه.

line-bottom