إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح كتاب الآجرومية
96665 مشاهدة
الأول: المفعول به

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
باب المفعول به وهو: الاسم المنصوب الذي يقع به الفعل، نحو قولك: ضربت زيدًا، وركبت الفرس. وهو قسمان: ظاهر ومضمر. فالظاهر ما تقدم ذكره، والمضمر قسمان: متصل ومنفصل. فالمتصل اثنا عشر، نحو قولك: ضربني وضربنا وضربك وضربكِ وضربكما وضربكم وضربكن وضربه وضربها وضربهما وضربهم وضربهن.
والمنفصل اثنا عشر نحو قولك: إياي وإيانا وإياكَ وإياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وإياه وإياها وإياهما وإياهم وإياهن.


هذا أشهر المنصوبات وأظهرها وأكثرها مرورا، وهو المفعول به، وهو: الاسم الذي يقع عليه الفعل، وذلك لأن الفعل يتبعه اسمان: يتبعه الفاعل، ثم يقع بعد الفاعل المفعول به، الذي يقع عليه، فيعم ما إذا كان الفعل ماضيا ومضارعا. تقول مثلا: ضربت زيدا وأخبرت بكرا، هذا فعل ماض، وتقول أُخْبِرُ زيدا، وأُعْلِمُ بكرا، هذا أيضا مفعول به، سواء كان الفعل ماضيا، أو مضارعا.
ثم الفعل الذي ينصب المفعول يسمى فعلا متعديا؛ لأن الأفعال إما أن تكون لازمة، أو تكون متعدية، فاللازم هو: الذي يقف على الفاعل، والمتعدي هو الذي يتعدى الفاعل إلى المفعول به. فمثل: جلس، هذا فعل لازم، وقام، فعل لازم، ما يتعدى الفاعل، تقول: قام زيد، ويتم الكلام، وجلس زيد، ويتم الكلام. بخلاف ما إذا قلت مثلا: ضَرَبَ زيد، ما يتم الكلام عادة حتى تذكر المضروب، فتقول: ضرب زيد عمرا، وكذلك مثلا إذا قلت مثلًا قَتَلَ بكرٌ، ما يتم الكلام حتى تقول: عمرا، قتل بكرٌ عمرا.
وكذلك إذا قلت مثلا: عَلَّمَ سعدٌ، كلمة علم سعد ما يتم بها الكلام، حتى تذكر المفعول به، وهو الذي تعلم. وكذلك إذا قلت مثلا: أخبر محمدٌ عمرَ، فلا بد أن يكون بعد الفاعل مفعول، وهو الذي حصل منه التعلم، أو الإخبار، أو ما أشبه ذلك.
فيذكرون هذا الباب في تعدي الفعل ولزومه، أي يقولون: الأفعال تنقسم إلى قسمين: متعد ولازم، المتعدي ينصب مفعوله، يتعدى الفاعل، وقد يكون أصل الفعل لازما، ثم يدخل عليه حرف ليكون متعديا، فإنك إذا قلت مثلا: أَخَبَرَ زيدٌ، فإنه لا بد أن يكون هناك مفعول: أخبر زيد بكرا، وتقول مثلا: عَلِمَ زيدٌ، يعني حصل على علم، ثم تدخل عليها ألفا، فتقول: أعلم زيد بكرا، يعني: أخبره. فهذا يسمى المفعول به.
فإذا كان الاسم صحيح الآخر ظهرت عليه علامة النصب، مثلا: أخبرت بكرا، ورأيت عمرا، وعلَّمت سعدا، هذا مفعول به، وإذا كان معتلا فإن الإعراب يكون مقدرا، فإذا قلت مثلا: رأيت يعلى، وعلمت موسى، فـ يعلى، وموسى، وعيسى، ومصطفى، ونحوها لا تظهر عليه علامة الإعراب. فتقول: موسى وقع عليه الفعل، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المقصورة منع من ظهورها التعذر، يعني: لتعذر الحركة على آخره؛ لكونه معتل الآخر بالألف.
وكذلك إذا كان الفاعل والمفعول به موجودين، عُرِفَ الفاعل بأنه المرفوع، والأصل أنه يقدم، هذا هو الأصل، مثل قوله تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ المنادِي: هم أصحاب الجنة، والمنادَى: هم أصحاب النار، فهاهنا قُدِّمَ الفاعل، ثم قال في الآية الأخرى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أصحاب الأولى- أصحاب النار- هم الذين نادوا، وأصحاب الجنة هم المدعوون، هم الذين ناداهم أصحاب النار، أي دعا هؤلاء هؤلاء.
ومع ذلك فإنه قد يجوز تأخير الفاعل وتقديم المفعول إذا ظهر ذلك واضحا. فإذا قلت مثلا: خرق الثوبَ المسمارُ، معلوم أن المسمار هو الذي خرق، ومع ذلك قدمت المفعول به خرق الثوبَ المسمارُ، أو تقول: كسر الزجاجَ الحجرُ، الزجاجَ قدمته، مع أنه مفعول به، ولكن الكلام واضح: كسر الزجاجَ الحجرُ، الحجر هو الذي كَسَرَ، والزجاج هو الذي كُسِرَ، فيجوز تقديمه إذا كان الكلام ظاهرا.
وأما إذا كان هناك لبس فلا بد من تقديم الفاعل، مَثَّلَ له الْحَرِيرِيُّ في قوله:
وإن تقـل كَلَّـمَ مـوسى يعلـى
فَقَــدِّمِ الفاعــلَ فهـو أولـى
كلم موسى يعلى، كلاهما لم يظهر عليه الإعراب، فلا يظهر ما هو الفاعل والمفعول؟ فالأصل أنك تقدم الفاعل، فيكون موسى هو المكلِّم، ويعلى هو المكلَّم. وكذلك لو قلت مثلا: لقي موسى عيسى، هاهنا أيضا قد يلتبس الفاعل بالمفعول؛ لأن كليهما لا يُدْرَى ما إعرابه، لم يظهر عليه الإعراب، فتقول: لقي موسى عيسى، موسى هو اللاقي، هو الفاعل، وعيسى هو الملقي فيكون هو الذي وقع عليه الفعل.
أما إذا كان الكلام ظاهرا فإنه قد يجوز تقديم المفعول به، فإذا قلت مثلا: عَلَّمَ محمدًا جبريلُ فـ جبريل هو الذي علم. أو مثلا: كلم موسى رَبُّهُ، موسى هو الذي مُكَلَّم، تقديره: كلم موسى اللَّهُ، الله هو الذي كَلَّم. فهذا يقال له المفعول الظاهر. ويقع كثيرًا الخطأ فيه، حيث إنه قد يكون بينه وبين الفعل فاصل، ومع ذلك لا ينتبه له إلا إذا عرف أن الفعل يطلب مفعوله.
فمثلا: إذا فصل بينه وبين المفعول فاصل، فإنه يبقى أيضا على طلب إعرابه، يقولون مثلا: جاء القاضيَ رجلٌ يشتكي، فالقاضي هاهنا مقدم، أو: جاء رجلٌ يشتكي القاضيَ، أو جاء إلى القاضي، فهذا هو الأصل فيه. أما بالنسبة إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فقد تقدم في باب الفاعل. أما المفعول المضمر، فإنه كما سمعنا: متصل ومنفصل، فالمتصل إذا قلت مثلا: علمني أو أخبرني سعد، علمني: مشتمل على فعل، وعلى فاعل مؤخر، وعلى مفعول مقدم- وهو الضمير- وعلى نون تسمى نون الوقاية.ثم تستمر هذه النون في هذا الفعل كله، فتقول: علمني، وعلمنا، وعلمكم، علمه، علمكن، علمكما اثنان للمتكلم: علمني، وعلمنا، وخمسة للمخاطب: علمك وعلمكما وعلمكم يعني المخاطب: إما أن يكون مفردا: علمكَ؛ مفرد مذكر، أو علمكِ، مؤنث، أو علمكما: مثنى، علمكم علمكنَّ، وخمسة للغائب: علمه وعلمها، هذا مفرد، وعلمهما وعلمهم وعلمهن، فيقال في إعرابه: إن الضمير مفعول به، وضمير متصل، وأما المنفصل الذي هو إياك إذا قلت: ما علمت إلا إياك، ما علم إلا إيانا، أو إلا إياي، فيقال: هذا ضمير منفصل، منفصل؛ يعني ليس متصلا بالفعل، ومع ذلك فإن محله النصب على المفعولية.