لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شفاء العليل شرح منار السبيل
200415 مشاهدة
المبحث الأول: في الفقه في النصوص وتطبيق الأدلة على الوقائع

لما كانت الحوادث والوقائع تقع وتتجدد كل حين للأفراد والجماعات، ويظهر بينها التباين الكبير، اضطر العلماء إلى إيضاح حكم كل واقعة، واستخراجه من النصوص، وتطبيق الأدلة على الأحكام، وذلك يحتاج إلى تفهم وتعقل واستحضار للفظ الدليل وفهم لمعناه، ولما يدخل تحته من الوقائع... إلخ، وليس ذلك بالهين اليسير على كل عالم، ولكن الله -تعالى- فتح على الكثير من علماء هذه الملة وحملة هذه الشريعة، وألهمهم معرفة مقاصد الشريعة وأهدافها، فزادوا على الحفظ والاستظهار استنباط الأحكام والفوائد، وأجابوا على كل حادثة وقعت أو يمكن أن تقع.
وقد عُرف هؤلاء بأهل الفقه والفتوى، وكان سبب ذلك توغلهم في التفهم وتصوير الجواب وكيفية الاستدلال، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضلهم فقال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وضرب لهم ولغيرهم المثل الرائع بقوله: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .
فمن جمع الله له حفظ النصوص والفقه فيها، والعمل بها وتعليمها، كان كالأرض التي تحفظ الماء وتنبت الكلأ، أما من وهبه الله الحفظ دون البروز في الفهم والإجابة عن المسائل فإنه كالبقعة الممسكة للماء دون إنبات النبات، وقد برز من الصحابة جماعة اشتهروا بالحفظ والفهم والإفتاء والإجابة على المسائل، كان من أشهرهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن مسعود وابن عباس وعائشة و علي وغيرهم -رضي الله عنهم- ولكن ابن عباس كان أولاهم وأخصهم بهذا الوصف، وذلك ببركة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بقوله: اللهم فقهه في الدين ثم خلفهم تلامذتهم من أجلاء التابعين، فتصدوا للإفتاء، وقصدهم لذلك الناس، وتنوقلت أقوالهم، وانتشرت في أنحاء البلاد، وأيدتها الأدلة النقلية الصحيحة، وشهدت بملاءمتها العقول السليمة.
وبدهي أنهم لم يقرنوا غالبا كل جواب بآية أو حديث، بل لم يطلب ذلك منهم اكتفاء بأهليتهم، وأنهم أورع وأبعد عن أن يتخرصوا على الله ويقولوا في شرعه بلا علم، وجاء بعدهم من أخذ عنهم، من تابعي التابعين ومن بعدهم من أئمة الدين، الذين أجمعت الأمة على هدايتهم ودرايتهم، كأبي حنيفة و الأوزاعي و الثوري و ابن المبارك و الليث و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق وغيرهم، فتعلموا عن مشايخهم، وفتح الله عليهم من المعرفة والفهم والاستنباط ما كانوا به مضرب الأمثال، ولا غرابة في ذلك، فكم تفوق تلميذ على معلميه، كما أشار إلى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ولحسن نياتهم وصلاح أعمالهم، وهبهم الله العلم النافع والعمل الصالح، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين.
لهذا ونحوه وثقت الأمة بأقوالهم، ورجحت موافقتها أو مقاربتها للصواب، وتناقلتها للعمل والتطبيق من غير نكير، وكان منهم من لم تدون إجاباته وفتاواه، بل نقلت على الألسن فضاع أكثرها، وأثبت بعضها مفرقا في كتب الفقه والأحكام، مما كان سببا لقلة أتباعهم من بعدهم، كالثوري و الأوزاعي و أبي ثور ونحوهم.
ومنهم من تولى بنفسه كتابه مذهبه وما يختاره في أغلب المسائل، كما فعل الإمام مالك في الموطأ، والإمام الشافعي في الأم وغيرها، ومنهم من كتب تلامذته ومن بعدهم ما وصل إليهم وما حفظوه عنه من فتوى أو اختيار، كما فعل أصحاب الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد -رحمهم الله- وقد كتب لمذاهب هؤلاء الأئمة الأربعة البقاء والرواج، وكثر أتباع كل منهم، ثم كتب أتباعهم من بعدهم مؤلفات لا تحصى، أيدوا بها تلك الفتاوى ووجهوها، وقرنوها بأدلتها، ولكن غلب على بعضهم التعصب، وشدة التمسك بهذا التمذهب، حتى ردوا كثيرا من الأدلة الصحيحة الصريحة، أو تمحلوا في الجواب عنها، والله يعفو عن الجميع.
فالجمود على قول إمام معين وتقليده في الخطأ والصواب ورد الأدلة لأجله خطأ وضلال، وإنما يقال باتباع أولئك الأئمة فيما لم يظهر مخالفته للنص الجلي بلا احتمال، ولقد أُثر عنهم -رحمهم الله- النهي عن تقليدهم إذا ظهر الحق بخلاف قولهم، وأخبروا بأن قول الله وقول رسوله مقدم على قول كل أحد، وإذًا فالاقتداء بهؤلاء الأئمة إنما هو في المسائل التي تخفى أدلتها، أو تختلف، أو تحتمل المعارض أو النسخ أو التخصيص، فليس في إمكان كل فرد تحصيل الدليل لكل مسألة أو تطبيقه على كل واقعة.