إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
shape
تفسير سورة الكهف
46570 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير خرق السفينة

فعند ذلك شرح الخضر لموسى ما أنكره عليه من تلك الأشياء التي استنكرها ظاهرا، فقال: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا سأخبرك بتأويل هذه الأشياء، التي أنكرتها في الظاهر، وأبين لك العذر.
أَمَّا السَّفِينَةُ التي خرقتها فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ وصفهم بأنهم مساكين، مع أنهم يملكون سفينة، وهذا دليل على أن المسكين أقوى حالة، وأحسن حالة من الفقير؛ فالمسكين قد يكون له كسب، فهؤلاء مساكين يعملون في البحر على هذه السفينة، يحملون عليها الناس بأجرة، ويتكسبون ويقوتون أنفسهم، ويأكلون من كسبهم، ومن كدهم؛ فيكون ذلك سببا في رزقهم الذي يسره الله لهم.
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا يعني: أن أجعل فيها عيبا.
واعتذر عن العيب، يقول: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا أي: قدامهم هذا الظالم يأخذ كل سفينة صالحة، في بعض قراءات المتقدمين، قرأها بعضهم: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ). أي: لا يأخذ إلا السفينة الصالحة فهذه السفينة جعلت فيها عيبا، وهو هذا الخرق؛ فإذا رآها ذلك الملك، رأى فيها عيبا، وتركها لهم، فتبقى لهم سفينتهم يستعملونها أفضل من أن يغصبها ذلك الظالم، ويأخذها بغير حق، هذا عذره، ولا شك أنه عذر سائغ أن الله تعالى أطلعه على أن هؤلاء مساكين، وأنهم بحاجة إلى هذه السفينة، ينقلون عليها، ويركبونها، ويعتاشون من كدهم عليها، ومما يحصلون من الأجرة، حمل الأمتعة، وحمل الرجال من مكان إلى مكان في داخل البحر على هذه السفينة، ولو كانت معيبة في هذا اللوح الذي قد انكسر، تبقى لهم أولى من أن يغتصبها ذلك الظالم، لو بقيت صالحة سليمة اغتصبها، وكأنه عرف أنها جديدة، وأنها لم تمر على الظالم قبل ذلك، ولو مرت عليه قبل أن يفسدها، أو يعيبها لأخذها منهم قهرا؛ فلذلك قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا أي: أجعل فيها عيبا، يكون سببا في تركها لهم؛ فهذا هو السبب، ولا شك أنه عذر سائغ، ولو كان ظاهر ما فعله مما أنكره موسى غير مستساغ، ولكن بَيَّنَ له العذر، وفي هذا دليل على أن المساكين يكون لهم مادة يكسبون منها، ولكن قد تكون أقل من كفايتهم، ولا تسد حاجتهم؛ فلذلك هم بحاجة إلى زيادة، ولهذا جعل الله للمساكين حظا من الزكاة في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وعرف المسكين: بأنه من له دخل فوق نصف ما يكفيه، وأقل من الكفاية، فيمكن أن هؤلاء دخلهم من أجرة هذه السفينة، لا يكفيهم، ولكن يسد شيئا من عوز.

line-bottom