الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
آيات صفة اليد
وقوله تعالى: رسم> بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ قرآن> رسم> [ المائدة:64 ] آية> . )
ثم الآية الثانية قوله تعالى: رسم> بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ قرآن> رسم> ( المائدة:64 ) آية> فيها إثبات صفة اليدين رأس> وهي أيضا صفة ذاتية، ذكرها الله - تعالى - بالتثنية في هذا الموضع، وذكرها بالتثنية في موضع آخر في قوله تعالى: رسم> مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قرآن> رسم> ( ص:75 ) آية> وذكرها بصفة الجمع، ولكن مع ضمير الجمع في قوله تعالى: رسم> أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا قرآن> رسم> ( يس:71 ) آية> وبصفة الإفراد في قوله تعالى: رسم> تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ قرآن> رسم> ( تبارك:1 ) آية> رسم> بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قرآن> رسم> ( آل عمران: 26 ) آية> وذكرها بلفظ يمين في قوله تعالى: رسم> وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ قرآن> رسم> ( الزمر:67 ) آية> هذا في القرآن.
والسنة المتواترة التي فيها ذكر اليد أو اليدين، أو نحو ذلك كثيرة، وكثيرًا ما يحلف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: رسم> والذي نفسي بيده متن_ح> رسم> في عشرات الأحاديث، وفي الحديث صلى الله عليه وسلم قوله: رسم> ناصيتي بيدك متن_ح> رسم> كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رسم> .
وهكذا في قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> يمين الرحمن ملأى سحاء -إلى أن قال- وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع متن_ح> رسم> وذكر قبضه للمخلوقات فقال صلى الله عليه وسلم: رسم> يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ متن_ح> رسم> وفي رواية: رسم> ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟، ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ رسم> .
والأحاديث كثيرة في ذلك، وأورد كثيرًا منها ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: رسم> وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قرآن> رسم> ( الزمر:67 ) آية> مما يدل على ثبوت هذه الصفة، والطريق فيها أيضًا الطريق في سائر الصفات؛ وهو أن نثبت لله - تعالى - يدًا كما أثبت لنفسه ولكن لا نبالغ فنقول: إنها كأيدي المخلوقين.
وورد في بعض الأحاديث ذكر الأصابع: رسم> إن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على أصبع، فيقول ... متن_ح> رسم> الحديث, فنقتصر أيضًا على ذلك، ولا نقول: إن هذا مشابه لصفات المخلوقين، ولا نقول: إن هذا ضرب مثل؛ كما يقوله النفاة الذين ينكرون هذه الصفات، ويجعلونها أمثلة لهيبة المقام، ويقولون: ذكر اليمين، وذكر القبضة، وذكر هز السماوات، وهز الأرض إنما هو لتهويل المكان ولتهويل الأمر، ولجلب الفزع والخوف في القلوب، ولاهتمام الناس بهول ذلك اليوم، وإلا فليس هناك قبض وليس هناك هز، وليس هناك يمين ولا غيرها، هكذا رأيت في تفسير كثير من الأشاعرة ونحوهم الذين ينكرون هذه الصفات.
ولا شك أن هذا رد للأدلة الواضحة، وتكلف في ردها، ومعلوم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم فصيح، يقدر على أن يوضح للناس ما يهمهم وما يعتقدونه، فلو كان المراد أن يهول الأمر لأفصح لهم بذلك، فكونه يقول: ( إن الله يقبض السماوات والأرضين، ثم يهزهن ) لا شك أن هذا إخبار بشيء واقع ولا بد؛ وما ذاك إلا ليبين أن الرب سبحانه وتعالى ذو العظمة، وذو الجلال والكبرياء الذي تصغر عنده المخلوقات والأجرام العلوية، والأجرام السفلية والمخلوقات كلها مع تباعدها وتنائيها - حقيرة وفقيرة وذليلة ومهينة أمام عظمة الباري وجلاله وكبريائه.
إذا تصور الإنسان عظمة هذه المخلوقات، ثم حقارتها أمام عظمة الرب سبحانه وتعالى عظم ربه في قلبه وهاب أن يعصيه، وهاب أن يخالف أمره، واستحضر أنه على كل شيء قدير، وأنه لا يتعاظمه شيء، وأن جميع المخلوقات هي ملكه وخلقه وتدبيره، فيكون هذا سببا في ذكر الأدلة على عظمة الله سبحانه وتعالى، حتى قال ابن عباس اسم> رضي الله عنه: رسم> ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم رسم> الخردلة التي هي أصغر من حبة الدخن كما هو معروف، فالله - تعالى - ذكر أنه يقبض السماوات والأرض، وروى ابن عباس اسم> ذكر مقدارها في قبضة الرب سبحانه وتعالى، والحاصل أن الكلام على إثبات اليدين.
ونقول: لماذا ذكر الله اليد بلفظ مفرد كقوله: رسم> تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ قرآن> رسم> ( الملك:1 ) آية> ؟ .
الجواب: إن المراد جنس اليد، فإن الملك الحقيقي بيده سبحانه وتعالى، ولماذا ذكرها بلفظ جمع: رسم> مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا قرآن> رسم> ( يس:71 ) آية> ؟ فالجواب أن المراد هنا التعظيم، فإنه ذكر نفسه بلفظ الجمع الذي يدل على العظمة، فإنه واحد سبحانه، ولم يقل: ( أيديه ) بل قال: ( أيدينا ) بضمير الجمع مثل قوله: رسم> إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ قرآن> رسم> ( الإنسان:2 ) آية> ( إنا ) ضمير للجمع، والجمع هنا للتعظيم، فكذلك يقال: ( أيدينا ) للجمع، فالجمع للتعظيم؛ جمع الأيدي وجمع الضمير، فهذا وجه الإفراد ووجه الجمع.
يبقى التثنية في هذه الآية ونحوها، فذكرها بالتثنية دليل على أنها مقصودة، وأن لله - تعالى - يدين كما وصف نفسه، ودليله في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> وكلتا يديه يمين متن_ح> رسم> فدل على أن العدد مقصود، وأن لله يدين كما وصف نفسه، هذا هو قول أهل السنة.
أما النفاة فماذا يقولون؟ تجدون في تفاسير الأشاعرة والمعتزلة ونحوهم - لهذه الآيات عجائب من أمرهم، وقد حكى ابن جرير اسم> رحمه الله عند تفسيره هذه الآية في سورة المائدة أقوالا عنهم، وسماهم ( أهل الجدل )، في قوله: اختلف أهل الجدل في قوله تعالى: رسم> بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ قرآن> رسم> ( المائدة:64 ) آية> فذكروا أن المراد باليد النعمة، أو أن المراد باليد القدرة، أو أن المراد بذكر اليدين هنا تمثيل للكرم ( يداه مبسوطتان ) أي: هو كريم وجواد يعطي ويكثر العطاء، وأن العرب تذكر اليدين وبسطهما وليس المراد حقيقة البسط، وإنما المراد كثرة العطاء، واستدلوا بقوله تعالى: رسم> وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ قرآن> رسم> ( الإسراء:29 ) آية> أي: مغلولة عن النفقة رسم> وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ قرآن> رسم> ( الإسراء:29 ) آية> أي: تنفق نفقة طائلة.
ثم في النهاية قال رحمه الله: والقول الأخير أن اليد صفة من صفات الله، ثم أخذ ينصر هذا القول، ويؤيده، وأنها صفة من صفات الله - تعالى - أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أن الله خلق آدم اسم> بيده في قوله تعالى: رسم> لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قرآن> رسم> ( ص:75 )، آية> وأن تخصيص آدم اسم> بيده دليل على أنها اليد التي هي صفة من صفات الله تعالى، وأنه لو كان المراد خلقتُ بقدرتي لم يكن لآدم اسم> خصوصية، فإن إبليس خلق بقدرة الله، وكذلك الشياطين والجن، والمخلوقات كلها، والملائكة والسماوات والأرض كلها خلقت بقدرة الله، فلا يكون لآدم اسم> ميزة على هذه المخلوقات على قولهم هذا.
والصواب أن قوله تعالى: رسم> خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قرآن> رسم> دلَّ على فضيلة اختص بها، ومن ثم فإن اليد هنا على الحقيقة، وهذا القول هو الأرجح، وأنها صفة من صفات الله أثبتها لنفسه، فلا نخوض في أكثر من ذلك، وننزه الله عن أن يكون مشابهًا للمخلوقات.
مسألة>