إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
116921 مشاهدة print word pdf
line-top
التعريف ببعض الفرق المبتدعة

وبعدهم خرجت القدرية الذين ينكرون من القدر العلم السابق وأول من خرج منهم معبد الجهني ثم غيلان القدري ينكرون علم الله بالأشياء قبل وجودها، يقولون: لا يعلم الأشياء حتى تحدث ، وهؤلاء الذين قال فيهم الشافعي : ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خُصموا وإن جحدوه كفروا.
ثم حدثت فيهم بدعة أشد من هذه وهي إنكار قدرة الله على الهداية والإضلال، وأن الله ليس على كل شيء قدير، وأنه لا يهدي ولا يضل من يشاء، وهؤلاء هم القدرية الذين أنكروا القدرة ، وقال فيهم الإمام أحمد القدر قدرة الله - يعني: من اعترف بأن الله على كل شيء قدير فقد خصم القدرية، خاصموهم بهذه الكلمة قولوا لهم: أليس الله على كل شيء قدير؟ إذًا فكيف يخرج عن قدرته كونه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وله الحكمة في ذلك.
ثم خرج بعدهم (المعتزلة) في آخر حياة الحسن البصري وأولهم واصل بن عطاء الذي ادعى أن العاصي ليس بكافر ولا مسلم بل في منزلة بينهما، واعتزل مجلس الحسن وصار يقرر مذهبه بزاوية من المسجد، وصار الحسن إذا جاءه من يستشيره، أو رأى من أحد بدعة أشار إليه وقال: عند أولئك المعتزلة، اعتزلنا واصل فمن ثم سُمّوا بالمعتزلة.
وانتشر مذهبهم إلى الآن، وطبعت لهم مؤلفات، وممن اعتنق مذهبهم القاضي عبد الجبار صاحب الكتاب المشهور: (المغني) الذي هو من أشهر كتبهم، مطبوع في نحو أربعة عشر مجلدًا، وله مؤلفات أخرى في تقرير مذهبهم.
وقد ذكرنا أن مذهبهم يدور على خمسة أشياء:
- التوحيد: الذي هو نفي الصفات.
- والعدل: الذي هو نفي قدرة الله على أفعال العباد.
- والمنزلة بين المنزلتين: التي هي أن العاصي ليس بمؤمن ولا كافر.
- وإنفاذ الوعيد: الذي هو تخليد العصاة في النار.
- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الذي هو الخروج على الأئمة , هذا مذهبهم الباطل.
وممن اعتنق مذهبهم من مشاهير اللغويين ( الزمخشري ) صاحب التفسير المشهور بالكشاف، فإنه معتزلي مبالغ في الاعتزال، ضمّن تفسيره عقيدة الاعتزال.
ثم خرجت بعدهم (الجهمية): ولكن مذهبهم تفرق في عدة فرق، فمن مذهبهم تعطيل الله تعالى عن صفات الكمال، فإنهم نفوا الصفات كلها، بل بالغوا في النفي حتى جعلوها كلها مجازًا، وهم الذين يحذر السلف رحمهم الله -كثيرًا- من الانخداع بهم.
ثم إن الجهم الذي تنسب إليه هذه الطائفة اجتمعت فيه ثلاث بدع عقدية هي:
- التعطيل: وهو نفي الصفات.
- والإرجاء، فهو رأس المرجئة، وهو أولهم إذ يقول: لا يضر مع الإيمان ذنب ، إذا كنت مؤمنًا فاعمل ما شئت من الذنوب, ويقول قائلهم:
فكثِّر ما استطعت من الخطايا
إذا كان القـدوم على كريـم
فعندهم أن المعاصي لا تضر التوحيد، ومن كان مذنبًا -ولو كثرت ذنوبه- فإنه لا يخرج عن كونه مؤمنًا كامل الإيمان.
- والجبر وهو نوع من البدع في القدر؛ وهو ادعاؤه أن الإنسان مجبور على الذنوب وعلى المعاصي وعلى الكفر، وليس له اختيار أبدًا، وهم الذين يقول قائلهم:
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى
دخولي سبيل، بينـوا لي حجتـي
فهؤلاء رؤوس المبتدعة والفرق: الجهمية المعطلة، والمرجئة، والقدرية، والجبرية، والمعتزلة الذين جمعوا هذه المذاهب ونحوهم.
أما (الكرامية) فهم أتباع محمد بن كرام عالم مشهور إلا أنه مبالغ في الإثبات حتى اتهم بنوع من التمثيل، ولكنه أقرب إلى الحق وأقرب إلى الصواب، وإنما انتقدوه لمبالغته في إثبات الصفات حتى وقع في نوع من التشبيه، ومن مذهبهم أن الإيمان مجرد المعرفة.
أما (الكُلابية) فهم أتباع عبد الله بن سعيد بن كُلاب وهم الذين يقرون بسبع صفات فقط وهي: السمع والبصر والكلام والحياة والقدرة والإرادة والعلم، وينكرون ما عداها، وهو الذي سلك طريقته أبو الحسن الأشعري في وسط عمره، وإلى أبي الحسن هذا ينتسب المذهب المنتشر؛ مذهب الأشاعرة، فالأشاعرة على مذهب ابن كلاب
وأما فرقة (السالمة) فهي تتبع ابن سالم ومذهبهم قريب من مذهب الكرّامية أو أشد؛ فهم يقولون بالتشبيه، وأن الله له يدٌ كأيدينا ونحو ذلك.
وبقيت فرقة موجودة بكثرة وهم (الصوفية)، فالصوفية لا شك أنهم كانوا في أول الأمر زهادًا يلبسون الصوف، ولكن حدثت فيهم بدعٌ وأشدها بدعة القول (بوحدة الوجود) وهو أن وجود الخالق عين وجود المخلوق ، فهذه البدعة هي التي ضلوا بها عن الطريق، وهي بدعة يعتنقها كثير منهم ، وعندهم بدع أخرى ولكنها خفيفة بالنسبة إلى هذه، كبدعة الغناء والسماع والرقص والتمايل والنشيد الموحَّد مثلاً، والذكر المقطوع كذكرهم بكلمة (هو، هو)، وما أشبه ذلك وهم موجودون بكثرة والردود عليهم متوفرة ، وبكل حال هؤلاء هم رؤوس المبتدعة، ينبغي للمسلم أن يجتنبهم حتى يسلم في دينه وعرضه.

line-bottom