الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
116908 مشاهدة print word pdf
line-top
مسألة: بعض آيات صفة النفس والمجيء والإتيان

  وقوله:
( وقوله تعالى إخبارًا عن عيسى عليه السلام أنه قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] وقوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] وقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة:210] . )


شرح:
قوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ فيها إثبات النفس لله تعالى، والنفس حقًّا تطلق على الذات، قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ( الأنعام:54 ) ( على نفسه ) يعني: على ذاته، وتقول: جاءني فلان نفسه، يعني: تأكيدًا حتى لا يُتوهم أنه جاءك رسوله أو ابنه، فإثبات النفس على أنها الذات معروف، ويمكن القول بأن قصد عيسى عليه السلام في قوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ما في ضميري؛ ما أُسِرّه في نفسي وما أخفيه في قلبي، وما لا أتكلم به بل أحدث به نفسي خفية في قلبي، وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ .
وبكل حال؛ هذا دليل على إثبات هذه الصفة، وإذا أطلقت النفس على الذات، أو أطلقت على ما في النفس يعني ما هو خفي، وما يضمره الإنسان، أو يخفيه الرب تعالى كان هذا سائغًا، وكان دليلا واضحًا على إثبات هذه الصفة.
وقد تأولها كثير من المنكرين، وأنكروا إطلاق النفس على الله تعالى، مع أنها أطلقت في القرآن في هذه الآيات وما أشبهها، وكذلك في بعض الأحاديث، ولكن لا عبرة بهم ولا بتأويلاتهم، فنحن نتقبلها، ونكل كيفيتها إلى خالقها، هذا إثبات صفة النفس.
أما الآية التي بعدها: إثبات صفة المجيء وَجَاءَ رَبُّكَ ( الفجر:22 ) وكذلك قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ( البقرة:210 ) ومثلها قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ( الأنعام: 158 ) .
هذه الآيات مما حصل فيها اختلاف كثير وإنكار كبير للمتأخرين من المتكلمين و بالغوا في تأويلها وتحريفها عن ظاهرها، فتجدهم ينكرون صفتي المجيء والإتيان ونحو ذلك، بل قرأت في تفسير بعض المعتزلة أو الأشاعرة - لمَّا أتى على الآية من سورة البقرة: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ قال: وأما إتيان الله؛ فقد أجمع المسلمون على أن الله منزه عن المجيء والذهاب لأن هذا من شأن المحدثات والمركبات هكذا علل منزه عن المجيء والذهاب.
وسمعت من حكى مناظرة جرت بين سُنِّي وبين مبتدع؛ فقال المبتدع: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقال السني: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء، فجعلوا المجيء والذهاب من صفات المحدثات والمركبات - كما يقولون - ونزهوا الرب عن أمثال هذا، وجعلوا النزول والمجيء والإتيان الذي ذكره الله - تعالى - أنه زوال عن مكانه وحركة، وجعلوا هذا تشبيهًا لمجيء المخلوق وانتقاله وما أشبه ذلك، ولكن لا إنكار في شيء من ذلك؛ فالأحاديث والآيات صريحة واضحة وليس لنا أن نتدخل في تأويلها، ونسعى في تحريفها.
 ثم إن المتأخرين من المتكلمين يقولون في آيات المجيء والإتيان إن فيها قولين:
القول الأول: ينسبونه للسلف، وهو أنهم يعتقدون أن السلف يسكتون ولا يعتقدون فيها مجيئًا حقيقيًّا بل يسكتون عنها، ويتركون الكلام فيها، ويمرونها دون أن يتكلموا فيها أو يفسروها بأي نوع من أنواع التفسير، وإنما يسكتون عنها دون الخوض فيها، ويقولون: لا تأويل لها ولا تفسير لها ولا نخوض فيها، ولا نتكلم فيها، ولا ندري ما معناها، ولا نبحث في دلالتها، هكذا يزعمون أن السلف على هذه الطريقة.
والقول الثاني: تأويلهم لها بأنواع من التأويلات المتكلفة، وأكثرهم على أن فيها مقدرًا تقديره: جاء أمر ربك، أو يأتيهم الله، أي: أمر الله أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ( الأنعام:158 ) أي: أمر ربك،     وكان من جملتهم زاهد الكوثري الذي حقق كثيرًا من الكتب وأفسدها، فمن جملة ما حققه كتاب ( الأسماء والصفات ) للبيهقي، فإنه أفسده بتعليقاته عليه، ولما أتى على هذه الآية قال: إن الله يقول في سورة النحل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ( النحل:33 ) قال: ما دام في سورة النحل ( أو يأتي أمر ربك ) فإنا نقول كذلك في سورة البقرة هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ( البقرة:210 ) أي: أمر الله، وكذلك آية الأنعام هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أي: أمره؛ وكذلك في سورة الفجر وَجَاءَ رَبُّكَ ( الفجر:22 ) أي: جاء أمره فجعل هذا محمولا على الآية التي في سورة النحل، وقال: إن القرآن يفسر بعضه بعضًا, ونحن نقول: لا يلزم من إتيان أمر الله في آية سورة النحل عدم إتيانه تعالى في آية أخرى، وإذا أثبتنا لله الإتيان قلنا يجيء كما يشاء، والأحاديث التي في الشفاعة فيها؛ أن بني آدم يطلبون الشفاعة ليأتي الله لفصل القضاء بين عباده، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: بأنه إذا طلبت منه الشفاعة جاء، فإذا رأى ربه سجد، وأطال السجود، فيقول الله تعالى له: ارفع رأسك، وسل تُعْطَه، واشفع تُشَفَّع الحديث ,  وذلك دليل على أن الله - تعالى - يجيء لفصل القضاء مجيئًا يليق بجلاله، ولا يلزم من ذلك تشبيه بالمحدثات والمركبات، فنعتقد هذه الصفة، ولا نقيسها على إتيان مخلوقاته، بل يأتي الله - تعالى - ويجيء كما يشاء، ويفصل بين عباده، ولا ينافي ذلك عظمته وجلاله وكبرياءه وصغر المخلوقات بالنسبة إليه، وما ذاك إلا أنا لا نحيط به علمًا، ولا نكيفه، ولا نكيف أية صفة هو عليها، هذا هو القول الحق,  وأما الآيات التي فيها إتيان أمر الله كقوله تعالى: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ( الحشر:2 ) فالمراد: أتاهم الله بعذابه؛ وذلك لأنه معروف أن الله أرسل إليهم عذابًا؛ وهو الرعب الذي قذفه في قلوبهم، قال تعالى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ ( الحشر:2 ) .

line-bottom