الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
مسألة: في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
قوله :
( أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام ، وأفضل أمته أبو بكر الصديق اسم> ثم عمر الفاروق اسم> ثم عثمان ذو النورين اسم> ثم علي اسم> المُرتضى رضي الله عنهم أجمعين ؛ لما روى عبد الله بن عمر اسم> رضي الله عنهما قال : رسم> كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حيّ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي فيبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره متن_ح> رسم> , وصحت الرواية عن علي اسم> - رضي الله عنه - أنه قال: رسم> خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت سميت الثالث متن_ح> رسم> ، وروى أبو الدرداء اسم> عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رسم> ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر رسم> وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لفضله وسابقته، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. )
شرح:
تقدم معرفة حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من فضله أنه أول من يستفتح باب الجنة، ثم من فضله فضل أمته، فأمته خير الأمم، وورد في الحديث: رسم> إنكم توفون -أي: تكملون- سبعين أمة أنتم خيرها وأفضلها عند الله متن_ح> رسم> .
وقد ذكر ابن كثير اسم> - رحمه الله - أحاديث فضل هذه الأمة رأس> في تفسيره عند قوله تعالى: رسم> كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قرآن> رسم> (آل عمران:110) آية> فإن هذه الآية نص على أن هذه الأمة خير الأمم؛ لأن نبيها خير الأنبياء، ومن فضلها أنهم يسبقون إلى الخيرات وإلى الجنة، فأول من يدخل الجنة هذه الأمة ، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: رسم> نحن الآخرون السابقون يوم القيامة متن_ح> رسم> الآخرون وجودًا والسابقون حقيقة إلى دار الكرامة، وذلك لشرف نبيهم ، يكون من فضلهم أنهم يدخلون الجنة قبل الأمم السابقة.
ووردت الأدلة الكثيرة في ذلك ومنها ما ورد في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم قال: رسم> عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا عظيمًا سدّ الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى اسم> وقومه، ثم قيل لي: انظر، هكذا وهكذا فرأيت سوادًا كثيرًا عظيمًا، فقيل لي: هؤلاء أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب متن_ح> رسم> . وغيرها من الأحاديث التي فيها فضل هذه الأمة وكثرتها.
وقال صلى الله عليه وسلم: رسم> ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة متن_ح> رسم> يعني: أن آيته ومعجزته هذا القرآن، ولذلك يرجو أن يكون أكثرهم أتباعًا؛ وذلك لأن الأنبياء الذين قبله إنما كان أتباعهم الذين صدقوهم قلة قليلة.
ولو كنا في هذه الأزمنة نجد أن النصارى أكثر من المسلمين وجودًا، ولكن ليسوا حقيقة من أتباع المسيح اسم> عليه السلام ، بل من الذين يعبدون المسيح اسم> ويقولون هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، فالحاصل أن هذه الأمة خير الأمم وأفضلها.
ثم لا شك أيضا أن الأمة بعضها أفضل من بعض، ولا شك أن أفضل هذه الأمة هم صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أصحابه لهم الميزة ولهم الفضل على من بعدهم.
وقد وردت الأدلة تشهد بفضل الصحابة؛ منها قوله تعالى: رسم> وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قرآن> رسم> (التوبة:100) آية> ومنها قوله تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ قرآن> رسم> (الأنفال:72) آية> إلى قوله تعالى : رسم> وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قرآن> رسم> (الأنفال:74) آية> نص في فضل المهاجرين والأنصار، فالذين آووا ونصروا هم الأنصار، والذين هاجروا وجاهدوا هم المهاجرون.
وذكرهم الله تعالى بقوله: رسم> لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ قرآن> رسم> (التوبة:117) آية> وكذلك قسمهم إلى ثلاثة أقسام في سورة الحشر في قوله تعالى : رسم> لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قرآن> رسم> (الحشر:8) آية> وقوله تعالى: رسم> وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ قرآن> رسم> (الحشر:9) آية> ثم قال تعالى: رسم> وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ قرآن> رسم> (الحشر:10) آية> .
فهذه آيات استوفت الصحابة رضي الله عنهم، وكلها شاهدة بفضلهم، ولو لم يكن من فضلهم إلا أنهم الذين سبقوا إلى الإيمان، وصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم فازوا بصحبته، وحملوا شريعته، وتعلموا منه الأحكام، ونقلوا إلى الأمة ما تحملوه، ولهم فضل على من بعدهم؛ حيث إنهم حفظوا هذه الشريعة ، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية : لا يدرك فضلهم فيها، وما بذلوه من الأموال والأنفس ؛ حيث بذلوا أموالهم في سبيل الله تعالى، ورخصت عندهم بلادهم وأولادهم وأحفادهم وأقاربهم وكل ما يملكونه، أنفقوه كله في سبيل الله تعالى ، ثم قاموا بالجهاد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك بعده في عهد الخلفاء الراشدين، فتح الله بهم القلوب، وفتح بهم البلاد، وامتدت بهم رقعة الإسلام، وفتحوا أقاصي البلاد وأدانيها، ودعوا إلى الله تعالى ، ودخل الناس في دين الله أفواجًا بسبب دعوتهم وإعانة الله تعالى لهم وتوفيقهم، لا شك أن هذا لا يدركهم فيه مَن بعدهم، وهذا يعمهم جميعًا.
مسألة>