إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
109806 مشاهدة print word pdf
line-top
الاختلاف في الموزون

وقد اختلف في الموزون ما هو ؟، ويمكن أن يعم الوزن جميع ما ورد:
القول الأول: أن الأعمال توزن ولو كانت أعراضًا، فإن الله قادرٌ على أن يقلبها أجسامًا، فإن الصلاة ليس لها جرم ولكن الله تعالى يقلبها جسمًا فتخف أو تثقل, كما ورد في بعض الأحاديث: أن الرجل إذا صلى الصلاة وأساء فيها صعدت إلى السماء ولها ظلمة، وتغلق دونها أبواب السماء، وتلعن صاحبها فتقول: ضيّعك الله كما ضيعتني، وتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها، وأما إذا صلى الصلاة فأحسن فيها صعدت إلى السماء ولها نور فتفتح لها أبواب السماء وتقول: حفظك الله كما حفظتني , فالصلاة عرض ومع ذلك يكون لها هذا الجرم، وكذلك الصيام يكون له جرم يوزن، وكذلك بقية الأعمال يجعلها الله تعالى أجراماً، وهكذا أيضا الذي له جرم مثل الصدقات ، ورد أن الله تعالى يربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله، يربي الصدقة ولو كانت يسيرة قليلة حتى تكون مثل الجبل، ثم بعد ذلك توزن وتثقل أو تخف بحسب نية صاحبها.
القول الثاني: أن الذي يوزن هو الصحف ؛ أي: صحف الأعمال التي كتبها الكتبة فهي التي توزن، ولكنها تخف وتثقل بحسب ما فيها من الأعمال صلاحًا أو فسادًا, واستدل على ذلك بحديث صاحب البطاقة وفيه إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر شيئًا من هذا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يارب, يقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب, فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة وتوضع البطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة , فهذا دليل على أن الأعمال التي تكتب في الصحف توزن ؛ أي: توزن تلك الصحف، وأن الثقل والخفة بحسب صحة العمل وبحسب الإخلاص فيه ، وكما في الحديث الذي فيه قول الله تعالى لموسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله وهذا في حق من أخلص توحيده، ونطق بهذه الكلمة عن إخلاص وصدق ويقين.
القول الثالث: أن الذي يوزن هو نفس العامل ، وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ( الكهف:105 ) أي: لا يكون لهم وزن معتبر، أو إذا وزنوا فإنهم يخفون ولا يكون لهم ثقل في الميزان ، وفي حديث في سيرة عبد الله بن مسعود ؛ أنه صعد مرة على شجرة أراك يقطع منها سواكًا، فعجب الصحابة من دقة ساقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد فأفاد بأن الإنسان يوزن، وأنه يثقل بحسب إيمانه, وورد قوله صلى الله عليه وسلم: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة يعني: أنه لما لم يكن له قدر ولم يكن له عمل صالح خف ميزانه فلم يساو وزن جناح البعوضة, وبكل حال: لا مانع من أن يوزن العامل، وتوزن الصحف، وتجسد الأعمال فتوزن، ويكون الجميع مما يوزن ، ليظهر عدل الله - تعالى - بين عباده وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ( الكهف:49 ) .

line-bottom