الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
117170 مشاهدة print word pdf
line-top
تنقيح السلف للعقيدة

ولكن فطن لهم الخليفة المهدي رحمه الله، فقتل منهم خلقا كثيرًا، فكل من اتهم بأنه زنديق منكر للخلق والخالق أو يذهب مذاهب الفلاسفة في إنكار بدء الخلق وإعادته، ويدعي أن الأمر مسند إلى الطبائع ونحو ذلك؛ أخذه وقتله، ولم يكن يستتيبهم لعلمه أنهم منافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنهم أظهروا الإسلام وقصدوا من إظهاره إفساد العقائد، حتى يثق الناس بهم ويأخذوا منهم، فإذا أخذوا منهم أعطوهم ما يريدون من التشكيك، ومن الارتباك في أمر العقيدة، حتى يزعزعوا عقيدة الكثير من الناس، هذا هو السبب في فشو هذا المذهب الشيوعي.
ذكر المترجمون للمهدي أنه أحضر أحدهم لما ثبت عنده أنه زنديق وحكم بقتله، فقال ذلك الزنديق: كيف تفعل بأربعة آلاف حديث كذبتها وبثثتها في المسلمين، فقال المهدي تعيش لها نقادها، أي: إن الله - تعالى - قد قيَّض لها علماء ينقحون الأحاديث ويبينون زيفها، ويظهرون ما هو مكذوب ودخيل على السنة، يعني أمثال الأئمة الذين كتبوا في الأحاديث، وبينوا عللها، وبينوا المكذوب منها والموضوع والصحيح والضعيف.
وبكل حال فهذا الوقت انتشر فيه هذا المذهب الشيوعي الخبيث بسبب تعريب هذه الكتب، ومن أثر انتشارها كثرة الخوض في علوم جديدة سماها السلف رحمهم الله (علم الكلام)، هكذا أطلقوا عليه، وقصدوا به العلم الذي يخوض في الأمور الخفية؛ في الجواهر والأعراض والأبعاض، والافتراضات، وما أشبه ذلك.
وهذا الكلام هو الذي شغل كثيرا من أهل القرون المتأخرة، بحيث إنهم كرسوا جهودهم في هذا الكلام، وأخذوا يفترضون افتراضات؛ إن كان كذا، فماذا يكون كذا؟، وما هو جوابه، حتى ملئوا صدور الناس بمالا فائدة فيه، وملئوا الكتب بما لا أهمية له، فكان ذلك مما حمل العلماء على التحذير من علم الكلام، كقول الشافعي رحمه الله: حُكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويُطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك القرآن، وأقبل على الكلام ، وغيره كثير من الذين حذروا من علم الكلام.
ومع الأسف فقد انتشر علم الكلام هذا في كتب الأشاعرة، وفي كتب المعتزلة؛ فحشدوا الكثير منه في كتب التفسير، وفي كتب العقائد، وفي كتب الأصول وما أشبهها، وافترضوا افتراضات لا دليل عليها.
فإذن لا شك أن هذا مما حمل السلف - رحمهم الله - على أن ينقحوا العقيدة، لما رأوا في القرن الثاني وفي القرن الثالث وما بعده تغير الناس في باب الاعتقاد، لم يكن بدٌّ من أن يكتبوا في ذلك، ويقرروا، ويُبدوا ويعيدوا، ويظهروا المذهب الصحيح والعقيدة السلفية السليمة ويبينوها علنًا، حتى لا يقع في خلافها من قصده الحق.

فكُتب السلف في العقيدة كثيرة وشهيرة: منها ما سمي بكتاب الإيمان، متقدمًا ومتأخرًا ومختصرًا ومبسوطًا مثل ( كتاب الإيمان ) لابن أبي شيبة و( كتاب الإيمان ) لأبي عبيد القاسم بن سلام و( كتاب الإيمان ) لابن منده في ثلاثة أجزاء وكلها مطبوعة.
ومنها ما سموه بكُتب السنة؛ كـ( السُّنة ) للإمام أحمد و( السُّنة ) لابنه عبد الله و( السُّنة ) للخلال و( السُّنة ) لابن أبي عاصم وغيرها.
ومنها ما سموه بالتوحيد كـ( كتاب التوحيد ) لابن خزيمة و( التوحيد ) لابن منده .
ومنها ما سمي بأسماء أخرى ، كـ( الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن ) للإمام أحمد و( الرد على الجهمية ) لعثمان بن سعيد الدارمي و( الرد على بشر المريسي ) للدارمي أيضاً، ومنها ما له أسماء خاصة كـ( الشريعة ) للآجري، و( الإبانة ) لابن بطة ؛ الإبانة الصغرى، والإبانة الكبرى، و( شرح اعتقاد أهل السنة ) الذي هو من أوسعها للالكائي
هذه كتب ضمنها مؤلفوها العقيدة، وأرادوا بذلك أن يخلصوا أمر المعتقد حتى لا تضمحل عقيدة أهل السنة.
ومع كثرة هذه الكتب مما ذكرنا، وغيرها كثير، لما انقضى القرن الثالث آخر القرون المفضلة أميتت هذه الكتب مع الأسف، وأصبحت مخزونة لا يعترف بها ولا تُقرأ، ولا تُدرَّس إلا نادرًا وبصفة خفية، وتمكن مذهب الأشاعرة ومذهب المعتزلة أيما تمكن، وانتشر الإكباب عليه، وكثرت الدروس والكتب التي تؤلف فيما يتعلق بهذه العقائد؛ عقيدة الأشعرية وعقيدة المعتزلة، وكادت السُّنة وكُتبها أن لا يكون لها ذكر، بل كاد مذهب الإمام أحمد أن يضمحل، ولم يبق أحد عليه إلا قلة.
وفي آخر القرن الرابع وأول القرن الخامس بدأ يظهر مذهب الإمام بسبب القاضي أبي يعلى رحمه الله، فإنه لما اعتنق هذا المذهب وتولى القضاء، وكان عالمًا جليلا، وكان من أبرز أهل زمانه، ولم يوجد للقضاء من يتولاه مثله أظهر هذا المذهب.
ومع ذلك فإنه هو وأساتذته الذين قرأ عليهم في بعض الكلام قد تأثروا بشُبَه المتكلمين، ولكن لما كان على مذهب الإمام أحمد لم يرد ما روى عنه، فألف رسالة فيما يتعلق بصفة العلو وأملاها على تلامذته، ولما كتبها وأملاها أقيمت عليه الدنيا، وأنكر عليه أهل زمانه، وقالوا: القاضي أبو يعلى ممثلٌ، القاضي مشبه، وكادوا يسعون في إبعاده وعزله، فاعتذر أنه إنما نقل كلام غيره، والرد لا يكون عليه بل يكون على غيره، على الذين نقل عنهم؛ وأما هو فإنه ناقل.

line-bottom