الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
الله تعالى جلَّ عن الأشباه والأنداد وتنزه عن الصاحبة والأولاد
قوله:
( جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد. )
شرح:
هذه الجملة يؤخذ منها صفات السلب وصفات النفي، فإن صفات الله صفات سلبية، أو صفات ثبوتية، ولكن إذا أتت الصفات السلبية استلزمت الصفات الثبوتية، وإلا فالسلب المحض لا يمدح الله به نفسه حتى يتضمن صفة ثبوت يمتدح بها.
فإن المدح إنما هو بالصفات المثبتة لا بالصفات المنفية، فإذا قال مثلًا: جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، فهذا نفي، وقد نفى الله ذلك عن نفسه في عدة آيات، كقوله تعالى: رسم>












هذه كلها نفي وسلب، ولكن يمدح نفسه بهذا السلب لأنه يتضمن ثبوت أضداد هذه الصفات، وكذلك قوله تعالى رسم>


كل ذلك يستدعي صفة ثبوتية هي التفرد والوحدانية التي تستلزم الكمال؛ فإنه إذا كان واحدًا فردًا صمدًا تصمد إليه القلوب، وتتوجه إليه الرغبات، ومع ذلك هو محيط بالمخلوقات، وعالم بها، ومع ذلك هو خالقها ، ومدبرها وحده ، أليس ذلك دليل العظمة؟ أليس ذلك دليل الكبرياء؟ لا شك أنه إذا تنزه عن أن يحتاج إلى صاحبة - يعني زوجة - لا يحتاج إلى ولد، لم يلد ولم يولد، وقد نزه الله نفسه عن الولد رأس> وأخبر بأن هذه فرية قالها المشركون، وأنها أعظم فرية وأكبرها، قال تعالى: رسم>


يعني أن مقالتهم هذه تكاد أن تتفطر لها السماوات، وتنشق لها الأرض، وتخر لها الجبال، وتتفطر لها المخلوقات العظيمة لعظم شناعتها، حيث جعلوا لله - تعالى - ولدًا مع أنه مستغنٍ عن الولد والوالد والشريك والنظير والمثيل والند والكفؤ؛ لماذا؟ .
لأن هذه الأشياء تستلزم الحاجة، أو تستلزم المثلية، تستلزم أنه بحاجة إلى الولد كالإنسان الذي بحاجة إلى ولده يسانده ويساعده ويقوم مقامه، ويعينه عند عجزه، ويخلفه بعد موته.
والرب - تعالى - ليس كذلك، وليس بحاجة إلى الولد ولا إلى الزوجة، ولا إلى شريك، فهو له الكمال المطلق، إذًا فنفي الصاحبة يستلزم عدم الحاجة، ويثبت الغني ، وكذلك نفي الولد يلزم منه إثبات الكمال، وكذلك نفي الشريك، ونفي الند، ونفي المثيل، وما أشبه ذلك.
وردّ أيضا على من أثبت ذلك من المشركين ونحوهم كقوله تعالى: رسم>








زعم بعض جهلة العرب : أن الملائكة بنات الله، وأن بينه وبين الجنة نسبًا، تعالى الله عن قولهم ذلك كله؛ فردّ عليهم، وأثبت وحدانيته، فبذلك نعرف أن كل نفي فإنه يستدعي ثبوتًا، وإلا فالنفي المحض ليس بمدح.
رد شيخ الإسلام اسم> رحمه الله في رسالته ( التدمرية ) في قاعدة من القواعد على من يصف الله - تعالى - بالصفات السلبية التي هي عدم محض، وكذلك في كثير من كتبه، وأخبر في ( الحموية ) أن الله بعث رسله بنفي مجمل، وإثبات مفصل، وأن الإثبات يقصد لذاته والصفات الثبوتية مقصودة لذاتها.
وأما الصفات السلبية فمقصودة لغيرها، والله - تعالى - نزَّه نفسه بقوله تعالى: رسم>




وفي الآية التي في سورة سبأ يقول ابن القيم اسم> رحمه الله: إنها قطعت جذور الشرك، يعني: عروقه، وهي قوله تعالى: رسم>


فنفى أربع حالات:
الملك ملك استقلال، فأما ما تملكه أنت من متاعك أو منزلك فليس ملك استقلال؛ لأنك أنت وهو ملك لربك وخالقك، أي: لا يملكون ولو مثقال ذرة، فكيف يُعبدون؟.
وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون، وأن الملك لله، قال تعالى: رسم>




وقد يقول قائل : نسلم أنهم لا يملكون وليسوا شركاء، ولكن يمكن أنهم أعوان لله، أي: أنهم أعانوا الله في إيجاد الموجودات، فنفى ذلك بقوله تعالى: رسم>


ثم نفى الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى لا يقولوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
فإذا انتفى الشريك وانتفى الولد، وانتفى المعين، ونفيت الصاحبة، ونفي الند والنظير والكفؤ؛ أثبتت صفات الوحدانية والتفرد، فهذا مقتضى هذه الصفة، وهي أننا ننفي هذه النقائص حتى نثبت الوحدانية التي هي صفة كمال لا يشاركه في هذا الكمال ولا في هذه الوحدانية أحد، ولأجل ذلك من أسماء الله رسم>




فإذا اعتقد المسلم ذلك عرف أنه المستحق لأن يعبد؛ جلّ وتنزّه عن الشريك، وعن الصاحبة، وعن الند، والنظير، والمثيل.
مسألة>