الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
110221 مشاهدة print word pdf
line-top
الأدلة على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة

  وأما الآية الأولى فهي أصرح الآيات التي استدل بها أهل السنة، وهي قوله تعالى : كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ( القيامة:20-21 ) يخاطب الكفار: تحبون العاجلة؛ وهي الدنيا، وتذرون الآخرة ولا تتنافسون فيها، ثم ذكر أقسام الناس في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( القيامة: 22-25 ) الوجوه الأولى وصفها بأنها ناضرة؛ أي: ذات نضرة وبهاء وسرور، وجوههم مسفرة مستنيرة ؛ لأنهم يرون ربهم، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أي تنظر إلى ربها نظر عيان، ففي هذه الآية نسبة الرؤية إلى الوجوه؛ وذلك لأن الوجوه هي محل النظر ، ولما أن نظرت الوجوه إلى ربها أشرقت وأسفرت.
  وكثيرًا ما يصف الله وجوه أهل الجنة بصفات تظهر عليها؛ وذلك لأن الوجه هو محل التأثر، وإذا كان مسرورًا رأيت وجهه مستنيرًا، وإذا كان حزينًا رأيت وجهه مكتئبًا، فوصف الله أهل النار بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ( الغاشية:2 ) يعني: ذليلة، ثم قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ( الغاشية:8 ) يعني: منعَّمة، هكذا وصفهم الله بهذه الآية.
  وفي آية أخرى قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ( عبس:38 ) أي: أضاءت واستنارت، والإسفار هو الضياء، مسفرة يعني: عليها آثار هذه الإضاءة، أما الوجوه الأخرى فإنها قال الله تعالى عنها: عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ( عبس: 40-41 ) .
  فإذن هذه وجوههم التي وصفها الله أنها ناظرة، والكلمتان في الآيتين لفظهما واحد، ولكن خطهما مختلف وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ( القيامة:22 ) مكتوبة بالضاد؛ أي: ذات نضرة، مثل قوله تعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ( الإنسان:11 ) أي: ذات نضرة وبهاء وسرور، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( القيامة:23 ) هذه كتبت بالظاء المشالة؛ من النظر الذي هو المعاينة.
  قال بعض العلماء: نظروا إلى ربهم فنضرت وجوههم، يعني: استنارت وأسفرت وابتهجت بهذا النعيم ، فهذا هو دليلهم، أورد المؤلف رحمه الله هذين الدليلين من القرآن وذكر أن الرؤية تكون في الآخرة.
  وقد ورد أيضا في الأحاديث ما يدل على أن الجميع يرون ربهم يوم القيامة عندما ينزل لفصل القضاء، ويقول: من كان يعبد شيئًا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم وفي هذا أنهم يرونه جميعًا؛ المنافقون والمؤمنون - كما يشاء ، قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ( القلم:42 ) قيل: إنهم يسألونه علامة، فيكشف عن ساق، فعند ذلك يعرفون أنه ربهم فيسجدون.
  فهذا قد استدل به على أنهم يرونه في القيامة، ولكن هي رؤية ابتلاء وامتحان، أما الرؤية التي هي رؤية لذة، وبهجة، ونعيم فإنها في الجنة، وقد ذكر العلماء أن المقربين يرون الله بكرة وعشيًّا، وأن الأبرار يرونه كل جمعة؛ أي: في كل أسبوع.
  قوله :
( وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته حديث صحيح متفق عليه وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير. )


  شرح:
ثم ذكر من أدلة الرؤية حديث جرير بن عبد الله قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: أمَا إنكم سترَون ربكم كما تَرَوْن هذا، لا تضامون - أو لا تضاهون - في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ( طه:130 ) .
  فحديث جرير هذا دليل على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ويريد بالصلاتين صلاتي العصر والفجر، أي: حافظوا على هاتين الصلاتين؛ لأن المقربين يرون الله بكرةً وعشيًّا، وقد فُسر بذلك أيضًا قوله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ( مريم:62 ) ، وبكل حال فرؤية المؤمنين لربهم من أجل ما أنعم وتفضل به عليهم، هذا هو قول أهل السنة.

  وقد استوفى الأئمة الكلام على الرؤية كما في كتاب ابن القيم ( حادي الأرواح ) الذي كتبه عن أهل الجنة وصِفة نعيم الجنة، وفي آخر أبوابه باب في رؤية المؤمنين لربهم، ذكر فيه سبعة أدلة من القرآن وهي:
الدليل الأول: وهو سؤال موسى النظر في قوله تعالى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ( الأعراف:143 ) فهو أعلم بما يجوز على ربه من علماء المعتزلة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ( يونس:26 ) الزيادة ورد في الحديث أنها النظر إلى وجه الله ولهذا قال تعالى : وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ( يونس:26 ) الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله ، فإذا نظروا إلى وجهه فلا يرهق وجوههم قَتَرٌ ولا ذِلّة.
الدليل الثالث: قوله تعالى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ( ق:35 ) فُسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى.
الدليل الرابع: آيات اللقاء، وهي كثيرة كقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ( الكهف:110 ) اللقاء لا تعرفه العرب إلا أنه المقابلة والنظر، فهو دليل واضح على إثبات الرؤية.
الدليل الخامس: قوله تعالى : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ( الأنعام:103 ) فهو دليل على إثبات الرؤية - كما سيأتي - مع أن المعتزلة يجعلونه دليلا على نفي الرؤية.
الدليل السادس والسابع: الآيتان اللتان ذكرهما ابن قدامة رحمه الله، فهذه سبعة أدلة.

line-bottom