عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
116883 مشاهدة print word pdf
line-top
مسألة: بعض: آيات صفة الرضا والمحبة والغضب والسخط والكراهية والمكر

قوله:
( وقوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119] وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] وقوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6] وقوله تعالى: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28] وقوله تعالى: كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ [التوبة:46] ) .


شرح:
ذكرنا أن صفات الله تعالى: صفات ذاتية، وصفات فعلية، وهذه الآيات اشتملت على الصفات الفعلية، وهي التي يتصف بها إذا شاء، ولا تكون ملازمة للذات دائمًا بل يتصف بها إذا شاء، ويتصف بضدها أو بغيرها؛ لأنهما ضدان، فعندنا في هذه الآيات الرضا والغضب؛ وفي آيات كثيرة.
مثال الرضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ في عدة سور، وكذا قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ( الفتح:18 ) ودائمًا عندما نذكر الصحابة نقول: رضي الله عنهم، عملا بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ( التوبة:100 ) فَرِضَا الله - تعالى - صفة من صفاته، ولكنها صفة فعل، يرضى إذا شاء ويغضب إذا شاء.
وقد ذكر الله الغضب في عدة آيات كقوله تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا ( النور:9 ) وكقوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ( النساء:93 ) وكقوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ( الفتح:6 ) وفي حديث الشفاعة إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله فأثبت أن هذا غضب متجدد، وأنه لا يكون بعد هذا اليوم مثله، ودل على أن الغضب صفة فعل يغضب على من يشاء، ويرضى عمن يشاء.
فعلى هذا، فالصفتان، لا يمكن أن يرضى ويغضب في حالة واحدة على شخص واحد، ولا يقال: هذا رضي الله عنه وغضب عليه في حالة واحدة، بل رضي عن هذا وغضب على هذا.
فالرضا والغضب صفتا فعل، وهذه الصفات التي ذكرت في هذه الآيات كلها من صفات الفعل كقوله تعالى: كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ( التوبة:46 ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ( محمد:28 ) حيث أثبت لنفسه صفة السخط وصفة الكراهة، وكقوله تعالى: بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ( آل عمران: 162 ) .
والآيات التي فيها صفات الفعل كثيرة مثل قوله تعالى : يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ( النساء:142 ) فيها صفة المخادعة، قال تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ( البقرة:15 ) فيها صفة الاستهزاء، قال تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا ( الزخرف:55 ) فيها صفة الأسف، قال تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ( آل عمران:54 ) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ( الطارق:15-16 ) صفتا المكر والكيد، وأشباهها ، كل هذه صفات فعل نثبتها لله كما يشاء، ونقول: إنه يسخط على من يشاء، ويرضى عمن يشاء.
ومثلها أيضا صفات المحبة، قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ( المائدة:54 ) وصفات الرحمة في آيات كثيرة، ومنها اشتق اسم الرحمن، ووصف نفسه بالرحمة، قال تعالى: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ( غافر:7 ) وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ( الأعراف:156 ) إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( الأعراف:56 ) .
فطريقة أهل السنة في هذه الصفات إثباتها ونفي النقص عنها؛ وذلك لأن الله أخبر بها، والله لا يخبر إلا بما هو حق، ولو كانت قد تستنكر أو تذم في حق الآدمي، كما في الصحيح عن أبي هريرة قال: إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب فردد مرارًا قال: لا تغضب نهاه عن الغضب، والله تعالى يغضب، ولكنه يغضب على من يستحق الغضب، وكذلك مثله السخط، والكراهية مذمومة، ولكن إذا كانت على من يستحق ذلك فهي صفة حق، وهي صفة ثبوتية أثبتها الله لنفسه.
وقد كثرت التأويلات من المبتدعة لهذه الصفات، فيقول بعضهم: كيف يستهزئ الله مع أن الاستهزاء جهل، واستدلوا بقوله - تعالى - عن موسى - قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( البقرة:67 ) فإذا كان موسى يقول: إن الاستهزاء، أو الهزء، جهل، فكيف يقول الله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ( البقرة:15 ) .
وكذلك المكر والكيد، والمخادعة، والمقت، والأسف، وما أشبهها، هذه مذمومة للإنسان إذا صدرت منه؛ فإن الله تعالى نهانا بقوله تعالى: لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا ( الحديد:23 ) فكيف يتصف الله تعالى  بها، ولما قال عنهم: يَكِيدُونَ كَيْدًا ( الطارق:15 ) قال: وَأَكِيدُ كَيْدًا ( الطارق:16 ) ولما قال: وَمَكَرُوا مَكْرًا ( النمل:50 ) قال: وَمَكَرْنَا مَكْرًا ( النمل:50 ) .
فالجواب: إن هذا من باب المقابلة لفعلهم بمثله، ولكن لا يكون فعل الله مساويا لفعل العبد، بل صفات الله المذكورة صفات أثبتها لنفسه، وهي لا تكون إلا على من هو أهل لها ، ولها آثارها، فإذا قلت: ما هو أثر الغضب ؟ الجواب: أنه إذا غضب فإنه يعذب من يغضب عليه، وقد ورد أثر الرضا في أن الله إذا رضي فإنه ينعم على من رضي عنه ويثيبه - في حديث قدسي وإن كان ضعيفًا؛ لكنه يكثر الاستشهاد به للاستئناس ولفظه: إذا أُطِعْتُ رضيتُ ، وإذا رضيتُ باركتُ ، وليس لبركتي نهاية ، وإذا عُصيتُ غضبتُ ، وإذا غضبتُ لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد .
على تقدير أن هذا يُستشهد به، فيه إثبات أثر الغضب، وأثر الرضى، ولو لم يأت في هذا الحديث، ولكن ذلك من مقتضياته، فأنت تقول للإنسان الذي تنصحه: لا تفعل ما يغضب الله، هذا الفعل يغضب الله، فهو يعرف أن الله إذا غضب يعاقب، اتبع ما يرضي الله عليك أو بما يرضى به عنك ربك، فهو يعرف أنه إذا رضي الله عنه أثابه، فهو يحرص على الفعل الذي به يكون ربه راضيًا عنه، ويبتعد عن الفعل الذي يكون به الرب عليه غضبان، لأنه يعرف أن في هذا الغضب عذابًا، وفي الرضا ثوابًا، إذًا فلهما آثار في الدنيا وفي الآخرة.
ويقال كذلك أيضًا في الصفات الأخرى؛ كصفة السخط، وصفة الكراهية، وصفة المقت، وصفة الأسف، وصفة الكيد، ويقال: إن الله يمكر بهؤلاء، يعني: يعطيهم ثم يعطيهم، ثم يأخذهم على حين غفلة، فكأنه مكر بهم.
ورد في بعض الآثار؛ لما ذكر تمادي بعض الكفار والعصاة، قال: ( مُكِر بالقوم ورب الكعبة ) يعني خُدعوا بما وسع عليهم، وما توسعوا فيه، مما أوقعهم في الذنوب، إلى أن حصل لهم ما حصل من نزول العذاب بهم بغتة وهم لا يشعرون.
فنستفيد أن هذه الآيات دالة على صفات فعلية، وأنها غير مكيفة، وأن الذين أنكروها وبالغوا في إنكارها ليس معهم إلا أدلة عقلية أجاب عنها شيخ الإسلام ؛ كما في أول ( التدمرية ) لما قال لهم: أنتم تعترفون بالإرادة، والإرادة هي ميل النفس إلى المراد، وتنكرون الغضب وتقولون: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، فلماذا فرّقتم بينهما؟ قالوا: لا نفسر الإرادة بأنها ميل القلب إلى المراد، فإن هذه إرادة المخلوق.
قال: فكيف تفسرون الغضب بأنه غليان دم القلب لطلب الانتقام، فإن هذا غضب المخلوق، فقد فرقتم بين متماثلين؛ أثبتم الإرادة ونفيتم الغضب، وكلاهما يفسر عندكم بهذا التفسير الذي هو من خصائص المخلوقين، فانقطعت بذلك حجتهم.

line-bottom