الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82235 مشاهدة
مسألة: رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة

  قوله:
( والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويُكلمهم، ويُكلمونه، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [ القيامة:22-23 ] وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [ المطففين:15 ] فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى، وإلا لم يكن بينهما فرق . )


  شرح:
هذا ابتداء في مسألة النظر إلى وجه الله، ورؤية الله تعالى، وهي أيضًا من المسائل المهمة التي تكلم فيها أهل السنة، وأثبتوها بالأدلة، وخالف فيها المعتزلة خلافًا صريحًا، وخالف فيها الأشاعرة خلافًا معنويًّا، وهدى الله أهل السنة لقبولها، ولم يلزمهم محذور من إثباتها ، والحمد لله.
  أولاً: قد اختلفوا: هل يمكن النظر إلى الله تعالى في الدنيا، وهل رآه النبي صلى الله عليه وسلم؟
والصحيح أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يرى ربه في الدنيا، ولأجل ذلك لم يتمكن موسى من النظر إلى ربه بعد أن سأل النظر، وأخبره الله بعدم التمكن من ذلك، والدليل قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ( الأعراف:143 ) .
  فهذا دليل على أن البشر لضعف خلقتهم في الدنيا لا يتمكنون من رؤية الله تعالى، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يره رؤية بصرية في الدنيا، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: هل رأيت ربك ؟: نورٌ أنَّى أراه يعني: كيف أراه ودونه ذلك النور، وكذلك في رواية ( رأيت نورًا )؛ وذلك لأن الله تعالى احتجب عن عباده بالنور.
  وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه فالصحيح أنه رآه رؤية قلبية لا رؤية بصرية، والذين أثبتوا الرؤية له استدلوا بقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( النجم:13-14 ) والصحيح أن الضمير يعود إلى جبريل ؛ أي: ولقد رأى جبريل نزلة أخرى، وكذلك قوله وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ( التكوير:23 ) الضمير أيضًا يعود إلى جبريل عليه السلام، فإنه الرسول المذكور في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( التكوير:19-21 ) هذه صفات الملك، فالضمير يعود إليه.
  وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنه رأى جبريل على صورته التي خُلق عليها مرتين له ستمائة جناح، قد سد ما بين الأفق، أو قد سد الأفق وكان ينزل عليه كثيرًا، ولكنه يتمثل بصورة دحية الكلبي أو نحوه.
  وعلى كل حال؛ فإن الرؤية في الدنيا لا دليل عليها، وقد خالف في ذلك المتصوفة، وادعوا أن الأولياء يرون الله عيانًا، وأنه يعرج بأرواحهم، وأن أرواحهم تتمكن من النظر إلى ربها، ولأجل ذلك فضَّلوا أولياءهم وسادتهم على الأنبياء بل وعلى الرسل، وعلى الملائكة، وهذا من شطحاتهم ، هذا بالنسبة إلى الرؤية في الدنيا.
  وأما الرؤية في الآخرة؛ فأثبتها أهل السنة ، وأنها رؤية صحيحة ، وأن المؤمنين في الجنة يرون الله تعالى، ويزورونه، ويُكلمهم ويُكلمونه، بل ثبت في السنة وفي الأحاديث أن رؤية الله - تعالى - في الجنة للمؤمنين هي أعظم لذة لهم، وأعظم نعيم، وأعظم سرور يصل إليهم يبهج نفوسهم، وتستنير وتضيء به وجوههم، ويكتسبون أعظم لذة بحيث أنهم لا يلتفتون إلى شيء ما داموا ينظرون إلى ربهم، ويغفلون عن كل نعيم كانوا فيه، فلا ينظرون إلا إلى ربهم حتى يحتجب عنهم، هذا من أعظم لذة لهم، يقول بعض العلماء ولو كان مثالا دنيويًّا:
فلو أني استطعتُ غضضتُ طرفِي فلـم أنظـر بـه حتـى أراكــا

   وقد تقدمت الآية التي أوردها الموفق رحمه الله، وهي قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ( المطففين: 14-16 ) وصفهم بهذه الصفة؛ أنهم محجوبون عن ربهم، والحجب هو الحيلولة بينهم وبين ربهم، فلا ينظرون إليه ولا يرونه، ولا يتمتعون برؤيته، ويا لها من عقوبة تصل إليهم، أنهم محجوبون عن ربهم، وذلك أشد العذاب .
  فكل من حُجب عن رؤية ربه فإنه معذَّب، فحجبه عن ربه عذاب له وأي عذاب ، وقد استدل بهذه الآية الشافعي رحمه الله، وهو أشهر من استنبط منها رؤية المؤمنين لربهم .
  وحيث ثبت أن الكفار محجوبون عن ربهم، فإنه يدل على أن المؤمنين من أهل الجنة غير محجوبين عن ربهم، بل يرونه، فلو كان لا يراه أحد لم يكن هناك فرق بين المؤمنين والكفار ، ولكان الجميع كلهم محجوبين عن ربهم ، فالحجاب هو أن يكون بينهم وبينه حاجب ، وحاجز لا يرونه، فإذا كان هؤلاء يرونه كانوا غير محجوبين ، وهؤلاء لا يرونه فهم المحجوبون ، وهذا دليل واضح.